"أن فلول الإرهاب تسعى دائماً إلى التجمع وإعادة تكوين مجموعات تبغى اغتيال الرموز الفكرية، فما كان نجيب محفوظ إلا رمزاً للفئة المفكرة، فتأججت بين ضلوعهم أن يكون مقتله كمن قتل المفكرين جميعاً".
نجيب محفوظ داخل المستشفى
بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا على إصدار روايته "أولاد حارتنا"، لم يكن يعلم نجيب محفوظ أنها ستنقل الأحقاد إلى بعض النفوس المريضة، وتدفعهم بجهالة نحو الشروع فى قتله، ففى عام 1994 كان مجموعة من الشباب المنتمين للجماعة الإسلامية (المحظورة)، يستعدون لتنفيذ عملية إرهابية كبيرة، سيتحدث عنها العالم أجمع لعقود طويلة، فقد خططوا لخطف الكاتب الروائى نجيب محفوظ" داخل أحد أوكارهم الإرهابية بمنطقة "الخانكة"، لفداء عدد من قادتهم المحتجزين بالسجون.
فى منتصف أكتوبر من عام 1994 كان الكاتب الروائى نجيب محفوظ على موعد مع إطار درامى لم يكتبه، ولكنه عاش تفاصليه بنفسه، ففى الوقت الذى خرج فيه يوم الجمعة كعادته فى ذلك اليوم من الأسبوع، متوجهاً بصحبة صديقه الدكتور فتحى هاشم لحضور ندوته الإسبوعية بكازينو "قصر النيل"، فوجئ بأحد الشباب يقترب منه، وهو جالساً على المقعد الأمامى لسيارته الحمراء ويطعنه بـ"مطواة" فى رقبته ويلوذ بالفرار، وتم نقله على الفور إلى مستشفى الشرطة بـ"العجوزة"؛ وهناك تبين إصابته بطعنة فى عضلات الرقبة من الجهة اليمنى وتهتك بالأوردة.
رواية أولاد حارتنا
الأمور كانت مشدودة فى ذلك الوقت من نهاية العام، كافة الأوساط الفنية والأدبية والسياسية، اتجهت انظارهم نحو مستشفى العجوزة، حيث يعالج أدبيهم المفضل نجيب محفوظ، بينما يعمل الأمن على قدم وساق لحل لغز تلك القضية، وبعد عرضهم عددا من الصور لإرهابيين مشتبه فى تورطهم بتلك الجريمة، على الشاهد الوحيد الدكتور فتحى هاشم، تعرف على المتهم الأول محمد ناجى مصطفى منفذ الجريمة، ولم تمر سوى ساعات قليلة حتى ألقى القبض على المجموعة المكلفة بتنفيذ تلك العملية، وقتل آثنين منهما فى اشتباك مع الأمن بمنطقة عين شمس.
التحقيقات مع المتهمين فى قضية الشروع فى قتل نجيب محفوظ كشفت أن قرارهم باغتياله جاء بناءً على فتوى الجماعة الإسلامية بمصر؛ بإهدار دمه بحجة تعرضه للدين الإسلامى فى روايته "أولاد حارتنا"، وذلك على الرغم من أنهم لم يقرأوا الرواية ولم يطلعوا على محتواها، وفقاً لحوار المتهم الأول مع صحيفة الأهرام فى ذلك الوقت، وأن خطتهم الرئيسية كانت هى خطف صاحب "نوبل"، ولكن لخطأ فى التنفيذ، وتأخر وصول السيارة المقرر اختطافه بداخلها، اضطروا إلى محاولة قتله.
الكاتب الروائى نجيب محفوظ داخل المستشفى
لم تمر سوى أيام قليلة وأحيل 16 متهمًا إلى المحاكمة أمام القضاء العكسرى، وبعد عدة جلسات ومداولات انتهت المحكمة بإصدار حكماً بإعدام كل من محمد مصطفى ومحمد المحلاوى، وبالسجن المؤبد لكل من عمرو إبراهيم وحسين بكر، والأشغال الشاقة المؤبدة لياسر أبو عطية وعبد الحميد أبو زيد، والسجن 5 سنوات لعلى جمعة و3 سنوات لمصطفى عبد الباقى وأحمد حسن ومحمد معوض وفيصل شحاتة، ولم تبرء سوى 3 متهمين هم عبد الناصر جمعة وعلى سباق وصلاح محروس.
وقالت المحكمة، فى حيثيات حكمها: "إن تلك الجماعة أرادت أن تجرح بأيدي عناصرها أمن وسلامة بلدهم، فكان الجرح أولى بهم وأوراق الدعوى تنبئ أن فلول الإرهاب تسعى دائمًا إلى التجمع وإعادة تكوين مجموعات تبغى اغتيال الرموز الفكرية، فما كان نجيب محفوظ إلا رمزا للفئة المفكرة فتأججت بين ضلوعهم أن يكون مقتله كمن قتل المفكرين جميعًا".
متهمو قضية الشروع فى اغتيال نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة