فى بلد العجايب "المحروسة سابقاً" تتنامى الظواهر الغريبة والعجيبة، وكأنها عادة وتقليد, ومن بين هذه العجايب أننا فى مصر ننفرد بنوع غريب من الاستغلال قريب ونسيب عائلات الفساد والاحتكار والمحمى بسلبية السلطة وسياسة "اضرب دماغك فى الحيط والشرب من البحر"، ومن تلك الظواهر ظاهرة اللصوص الكبار الذين تقدر ثروتهم أو رؤوس أموال مشروعاتهم بالمليارات، ومع ذلك يحرصون على سرقة القروش والجنيهات المحدودة التى قد تكون فى جيوب الفقراء فيما يشبه عملية استحلاب نقدى لجيوب الغلابة.
على سبيل المثال شركة كبرى تعمل فى البورصة ارتبط اسمها بنجل الرئيس وكبير الحزب الوطنى الحاكم دشنت حملة إعلانية طوال شهر رمضان تحرض كل من يملك مبلغ عشرين جنيها فيما أعلى بالتمتع بسهم ملك فى البورصة، وترقب الأرباح التى ستحول سائق التاكسى والبواب والخادمة إلى ملاك أسهم فى البورصة، ولم يتطوع أحد لتنبيه هؤلاء البسطاء من مخاطر نقل مدخراتهم من نوعية ادخار آمنة إلى المضاربة فى البورصة، وهو ادخار محفوف بالخطر، فكانت النتيجة أن عدة آلاف من البسطاء ومتوسطى الحال شربوا المقلب واستجابوا لحملة النصب التى قادتها الشركة الكبيرة واشتروا أسهما فى البورصة، وكانت الكارثة أن هؤلاء المُلاك الجدد كانوا أكثر المتضررين من انهيار البورصة المصرية، مما دفع البعض منهم للانتحار بعد أن اكتشفوا أنهم اشتروا "الترماى" ولم يتدخل أحد لإنقاذهم.
وشركة أخرى تعمل فى مجال المحمول ويديرها نجل رئيس جمهورية سابق ويقدر رأسمالها بنحو عشرين مليار جنيه مصرى تسعى للخروج من حالة الفشل عبر حملة إعلانية، تهدف إلى جذب مشتركين جدد عبر الزعم برخص سعر خدماتها، واكتشف آلاف المضحوك عليهم وجود عملية شفط للرصيد بدون سبب وبدون إجابة للذين يتساءلون عما يجرى، وعلى وجه الخصوص يشعر مستخدمو الإنترنت عبر هذه الشركة بهذا الشفط مع الكروت الصغيرة الأقل من عشرين جنيه، وعندما تتصل بخدمة العملاء تكتشف أن الزبون عمره ما كان على حق.
وفى مجال الاتصالات أيضاً مازالت الشركة المصرية للاتصالات ترفع شعار السرقة للجميع ومع موعد سداد الفاتورة يتجدد الحديث عن عمليات السرقة بالإكراه التى تمارسها الشركة ضد المشتركين، من خلال الفواتير الوهمية ونظام فرض الكوته التى تتبعه الشركة وهو نظام يعتمد على فرض مبلغ يزيد عن ضعف أو ثلاثة أمثال الاشتراك على ملايين المشتركين حتى فى حالة عدم استخدام التليفون أصلا، وأنا شخصياً لى تجربة مع سنترال المريوطية الذى انطبقت عليه كل الزيادات ورفع الأسعار، ومع ذلك مازال يقدم أسوأ خدمة تليفونية، ويقوم السنترال بقطع الحرارة لفترات طويلة ومكررة تصل أحيانا لأكثر من شهر، ومن حق المشترك أن يتساءل: أليست هذه الفترات التى تنقطع فيها الخدمة فترات مدفوعة، فلماذا يدفع المشترك ثمن خدمة يتم حرمانه منها لفترات طويلة، فى حين يعاقب من يتأخر عن سداد الفاتورة بغرامات تم تضخيمها سراً؟
سنترال المريوطية نموذج لكل مساوئ الاقتصاد المصرى، حيث يستفيد من الاحتكار وغياب المتابعة واستغلال الحاجة الملحة لاستخدام التليفون، ومع إن السيد رئيس الهيئة يطل علينا إعلامياً مبرراً مضاعفة أسعار الخدمة عدة مرات بتطوير الخدمة، إلا أن عشرات السنترالات فى القاهرة الكبرى، ومن بينها سنترال المريوطية مازالت تقدم أسوأ خدمة على الإطلاق على الأقل من حيث قطع الخدمة بسبب الأعطال وحرمان آلاف المشتركين من خدمة "DSL" والعبد لله تقدم منذ أكثر من عام للحصول على هذه الخدمة، ولكن يبدو أن نظام "الديل أب" وهو الاتصال عبر التليفون الأرضى يدر ربحاً أكبر للهيئة يمكنها من دفع أكثر من خمسين مليون جنيه سنوياً مصروفات فريق كرة القدم على حساب المشتركين.
النماذج التى تندرج تحت بند السرقات الصغيرة من حيث المبالغ لصالح أصحاب المليارات عديدة، وتضم عمليات منظمة بإشراف السلطة، مثل بيع القطاع العام الذى صادر حق عماله لصالح اللصوص المشترين والاحتكار الذى يضع رقبة المواطن البسيط تحت مقصلة أحمد عز فى سوق العقارات، وتضم أيضاً الجشع الذى يصيب البعض مثلاً سائقى سيارات النقل الجماعى الذين يفرضون زيادات من دماغهم والكثير من تجار القطاعى والجملة الذين يرفعون الأسعار بمزاجهم فى غياب كامل للرقابة، وعلى المتضرر اللجوء لحبل غسيل ليشنق نفسه ويرتاح من طمع أصحاب المليارات واستهبال الحكومة.
لصوص كبار وضحايا صغار
السبت، 25 أكتوبر 2008 11:25 ص
بقلم فتحى الشوادفى