مقالات

ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض

الجمعة، 18 نوفمبر 2011 09:57 م

بقلم السيد الطنطاوى

هذا العنوان جزء من الآية القرآنية الكريمة "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ"، والتى تجسدت على أرض الواقع من خلال ثورات الربيع العربى، تجسدت من قبل فى تونس والآن فى ليبيا، وتجسدت فى مصر بعد الخامس والعشرين من يناير وبعد تنحى الرئيس مبارك، وظهور قوى وأحزاب على الساحة المصرية كانت مستضعفة ومقهورة فى عصر مبارك، وهى الآن تجهز وتعد العدة وتسابق الزمن لتلحق بقطار الانتخابات البرلمانية من أجل لعب دور سياسى لخدمة بلدها حرمت منه سنوات طويلة، ويكون لها موقع قدم تزاحم به القوى التقليدية القديمة والفلول وترث الحزب الوطنى بما تركه من جنات المكان والمكانة، وتظهر هذه القوى فى كادر الصورة السياسية والإعلامية الفضائية والورقية واضحة جلية لا تخطئها العيون، ولم يكن أحد من أكثر المحللين السياسيين والاستراتيجيين تفاؤلا باستطاعته التنبؤ بظهور هذه القوى والشرائح فى مجتمعنا وخاصة مطلقى اللحى والذقون، ومنها الإخوان المسلمون والسلفيون وحزب الوسط وحزب الغد.
وبقراءة بدايات سورة القصص نجد أن الحق سبحانه يقول: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الْأَرْضِ وَنُرِى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُون". وبالاستماع إلى خطباء الجمعة وإلى العلماء وهم يفسرون هذه الآيات كان بعضهم يفسرها كتاريخ مضى لأخذ العبرة والاتعاظ مما حصل لمن تجبر فى الأرض واستكبر كفرعون وهامان والنمرود وغيرهم، والبعض الآخر كان يسقطها على واقع الدول العربية، مستشهدًا بها على استبداد الحكام العرب، وما سيحدث لهم جراء ما ارتكبوا من مظالم لم يسلم منها الكبير أو الصغير، فهم فعلوا مثلما فعل سلفهم الأوائل "بتشييعهم" للناس وتفريقهم إلى جماعات وأحزاب ورقية ومستأنسة ليكون الرئيس منهم هو السيد المطاع والحاكم بأمره مستفيدًا من شعار "فرق تسد" الاستعمارى.. هذه الشيع والجماعات والأحزاب منهم الأنصار المقربون ومنهم المستبعدون المستضعفون، فمن يحب القرب ومد حبل الوصال قربه الحاكم إليه وإلى جماعته، ومن امتنع وأبى القرب والوصال وذهب المعز وجزرة الحاكم فمصيره الاستضعاف والتنكيل به وبمن يسانده أو بالمصرى "بمن يشدد له"، ولم يكن التنكيل مقتصرا على جانب واحد أو مكان واحد يخص الضحية، بل كان التنكيل يبدأ بالشخص المعارض غير المقرب نفسه، ومن ثم بأهله وأقاربه ومكان رزقه ولقمة عيشه وشركاته ومؤسساته إن وجدت، وبتدمير حزبه وحرق مقراته وإدخال عناصر لإفشال الحزب، وإسقاطه فى الانتخابات إذا تجرأ وترشح، وإذا نجا من كل هذا فتتلقفه أيادى عناصر الحزب الوطنى بقيادة المرحوم كمال الشاذلى ومن بعده المحبوس أحمد عز لإفشاله هو شخصيا فيما يقدمه من استجوابات أو طلبات لخدمة أبناء دائرته لإظهاره بمظهر العاجز أمامهم، فلا يرون إلا فرسان الوطنى حلالى المشاكل والعقد ومقدمى الخدمات التى لا يقدر عليها أحد غيرهم، ولكن كان ربك بالمرصاد فأراد أن يرى مبارك بعينه ويرى أحمد عز وجمال مبارك والسيدة سوزان مبارك ما فعلوه بأيديهم وما كانوا يحذرون منه ويخشونه.