تحقيقات وملفات

المنح التعليمية الأمريكية .. تروجها سفارة واشنطن ويهاجمها نواب الشعب وتصر عليها الوزارة دون تقييم أو دراسة جدوى

السبت، 11 أبريل 2009 04:32 م

تحقيق حاتم سالم

تعاون ثقافى أم اختراق للجذور

فى كل مرة يتم فيها الإعلان عن اتفاق بين السفارة الأمريكية ووزارة التربية والتعليم المصرية، على تدريب طلاب ومدرسين مصريين بدعم أمريكى، سواء داخل مصر أو فى أمريكا، يعود الجدل حول أهداف تلك البرامج، بين أطراف تفترض مخططات خفية وراءها، وآخرون يعتبرونها صورة من صور التعاون الثقافى البناء، فما طبيعة هذه المنح، ولماذا يثار حولها كل ها الجدل، خاصة وأنها تتم برعاية حكومية تمثلها وزارة التربية والتعليم.

قد يكون النائب الإخوانى على لبن أشهر النواب الذين دأبوا على مهاجمة المنح الأمريكية فى مجال التعليم، والتى وصفها "بالمشبوهة"، وذلك من خلال عدد كبير من طلبات الإحاطة، التى تثير الشكوك حول أهدافها الحقيقية، وهى فى نظر لبن "إلغاء التربية الدينية واللغة العربية فى المناهج المصرية مع زيادة جرعة اللغة الإنجليزية".

إلا أن طلبات الإحاطة والاحتجاجات التى تصدر عن سيادة النائب وغيره، لم تمنع وزارة التربية والتعليم عن مواصلة "التعاون الثقافى" مع الولايات المتحدة، حيث أعلنت السفارة الأمريكية بالقاهرة مؤخراً عن إطلاق برنامج تعليمى بعنوان "التفوق والإنجاز" يستهدف تعزيز المهارات التعليمية لدى مدرسى الثانوية المصريين، وتوسيع معارفهم بشأن الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك على مدى 6 أسابيع يقضيها المدرسون المصريون فى مدارس ثانوية أمريكية للاختلاط بأقرانهم من المعلمين والطلاب الأمريكيين، شرط أن يجيد المعلم اللغة الإنجليزية، وأن يمضى على عمله بالتعليم 5 سنوات، ويبدأ البرنامج فى يناير المقبل وينتهى فى مايو 2010.

المفاجأة أن وزارة التربية والتعليم، وهى الجهة المصرية المنوط بها توقيع تلك الاتفاقيات مع الجهات الأجنبية المانحة، لا تعرف شيئاً عن منحة "التفوق والإنجاز" التى أعلنت السفارة الأمريكية بالقاهرة عن بدء تطبيقها، الدكتور رضا أبو سريع مساعد أول وزير التربية والتعليم أكد لليوم السابع، أنه ليس لديه أى خلفية عن المنحة. وهى الإجابة نفسها التى بدرت عن الدكتور حسن الببلاوى مستشار وزير التربية والتعليم لتطوير التعليم الذى أكد أنه لا علم له بهذه المنحة، وأضاف "من بين كل اتفاقيات الوزارة مع جهات أجنبية لم أسمع عن تلك المنحة".

لتعود الكرة مرة أخرى إلى ملعب النائب على لبن، الذى أكد على أن البرنامج الجديد وإن لم يهدف إلى إلغاء اللغة العربية أو التربية الدينية من المناهج المصرية، فإن الغرض منه تدريب مدرسى الثانوى على تطبيق النظام الجديد للثانوية العامة الذى اعترضت عليه أصوات عديدة داخل البرلمان وخبراء فى التعليم بمجرد إعلان الدكتور يسرى الجمل عنه، لأنه غامض، ولا يناسب الأسرة المصرية، حسب تعبيره.

إذاً فبرنامج المنحة الجديدة بالنسبة للنائب هو تنفيذ لمخطط مشترك بين الوزارة المصرية وبين أمريكا، ويقول لبن "كيف تستقطب السفارة الأمريكية معلمى الثانوية لتدريبهم على نظام ثانوية جديد لم يوافق عليه البرلمان المصرى، بل ولم يعتمد حتى فى مجلس الوزراء؟".

ويضيف لبن، أنه فى 2003 وافق البرلمان على اتفاقية بين مصر وأمريكا بمنحة قيمتها 23 مليون دولار، يتم بموجبها تدريس اللغة الإنجليزية فى المدارس من الصف الثانى الابتدائى، وعند تطبيق الاتفاقية تبين وجود شروط سرية للاتفاقية، وهى تدريس الإنجليزى من الصف الأول الابتدائى مع تقليل مناهج اللغة العربية والتربية الدينية.

بعضهم يصر على وجود أهداف خفية، لكن ماذا عن الأهداف المعلنة لبرامج التعاون المصرى الأمريكى فى مجال التعليم، وبمعنى أوضح ما الذى تحقق بالفعل منها على أرض الواقع، البعض يشير إلى أن الإنجازات محدودة، ولا تقارن بالشعارات الرنانة التى تطلق لحظة إطلاق تلك البرامج.

فعلى سبيل المثال، أعلن ريتشارد دونى السفير الأمريكى السابق بالقاهرة عام 2007، عن برنامج يقضى بتمويل دراسة 100 طالب مصرى فى مدارس وجامعات الولايات المتحدة من خلال عدد من المنظمات التعليمية العاملة فى مصر منذ مطلع الثمانينيات، ومن بينها منظمة "أيرن"، والتى ترسل سنويًّا أكثر من 20 طالباً من المرحلة الإعدادية والثانوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تحت مظلة التبادل الثقافى والتعليمى، وفيما صاحب الإعلان عن البرنامج الكثير من الدعاية التى توحى بأهميته من قبل وزارة التربية والتعليم، إلا أن الوزارة نفسها لم تقم بمجهود يذكر لإعلان نتائج البرنامج، رغم مرور عامين على بدايته.

وفى ديسمبر 2006، أعلنت دينا حبيب باول وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية لشئون التعليم آنذاك عن بدء تفعيل مبادرة لتبادل المنح الدراسية مع مصر يتم بمقتضاها إرسال 1000 دارس مصرى إلى الولايات المتحدة لدراسة المجالات التى تهم الاقتصاد المصرى لمدة عام، إلا أن إدارة العلاقات الثقافية والخارجية بوزارة التربية والتعليم التى كانت تؤكد فيما مضى على آمالها الكبرى فى البعثة الدراسية، ورغم عودة الدارسين بالفعل، لم تشر حتى الآن إلى حجم الإنجاز الذى تم سواء على المستوى الفردى للدارسين، أو على مستوى الإفادة من خبراتهم فى المؤسسات الاقتصادية المصرية.

فلماذا ترتفع حدود الآمال والطموحات المعلنة بداية من إطلاق مشروعات التعاون الثقافى المشتركة، ثم يتجاهل المسئولون الإشارة إلى حجم الإنجازات، ومدى تحقق تلك الأهداف، ولماذا تكتفى الوزارة بنفى الاتهامات الموجهة لها ولتلك البرامج بالعمالة والاختراق، وغيرها دون أن تثبت لمن يهاجمونها أهمية تلك البرامج بتقديم النتائج الملموسة، التى تضع الأمور فى نصابها، والتى تمكن المعترضون والمسئولون أيضاً من تقييم التجربة، وتقرير ما إذا كان من الأهمية مواصلتها، أم التوقف عنها.