أكرم القصاص - علا الشافعي

«مسروق بن مسروق» لـ«محمد منير».. يوميات مصرى مطحون وحكايات شعب مقهور

الأحد، 31 يناير 2016 08:16 ص
«مسروق بن مسروق» لـ«محمد منير».. يوميات مصرى مطحون وحكايات شعب مقهور الكاتب الصحفى محمد منير
كتب سعيد زكى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما تشرع فى قراءة كتاب «وقائع مسروق بن مسروق» للكاتب الصحفى محمد منير، الصادر عن بيت الياسمين للنشر والتوزيع، عليك أن تعلم أن ما ستطلقه من ضحكات كلما قرأت واحدة من وقائعه لم يكن هو المبتغى ولا تظن أنه يسوقها من أجل تزجية وقتك، فلم تكتب هذه الوقائع من أجل أن يمتلئ فمك بابتسامة تكشف بياض أسنانك، فتحت كل أضحوكة عليك أن تستجلى ما يستحق جديتك، فالكتاب «تنكيت ممزوج بالتبكيت» وكوميديا سوداء يتماهى من خلالها الكاتب مع الواقع، من خلال 57 واقعة كتبها منير فى شكل وقائع بـ«اليوم السابع» قبل نشرها فى كتاب، متكئا على باعه الطويل فى العمل السياسى والصحفى، وتكمن أهمية هذه الوقائع فى أنها توثق لفترة زمنية غير مسبوقة فى تاريخ صاحبة الـ7 آلاف سنة حضارة، ورغم قصر هذه الفترة فإنها متخمة بالأحداث ومترعة بالتفاصيل، يجعل منير نفسه مؤرخا وموثقا لها، ليس من على دكة المشاهد بل من قلب الحدث.

بلسان حال كل مقهور، مثله يبدأ «مسروق» الكتاب بفقرة ممهدة: «اسمى وصفتى وحالى مسروق بن مسروق.. أنتمى إلى أعرق عائلات مصر وأكثرها ثباتًا على الحال، فأبى وجدى وجدود جدى كلهم مسروقون.. أروى لكم وقائع يومياتى التى أعيشها حاملًا خبرة مئات السنين من صبر مسروق على ما يراه مكتوبا»، وهى استهلالة بارعة من الكاتب حيث يسحبنا إلى الماضى السحيق ليربطه بالحاضر والعكس، ليؤكد أن معاناته ضاربة فى أعماق الماضى السحيق متوارثة منذ مئات السنين، ممتدة منذ زمن جدوده وأجدادهم، ولا تتوقف على ما يسجله فى هذا الكتاب، ثم يأتى بعد هذه الاستهلالة القص فى شكل وقائع ليحكى لنا حكاية شعب ويرصد أحواله ومآسيه ويضع يديه على مواطن العطب فيه، فى أسلوب أقرب إلى محمد المويلحى فى أحاديث عيسى بن هشام أواخر القرن التاسع عشر، ويتماس مع «حمار من الشرق» لمحمود السعدنى.

يمكن تقسيم وقائع الكتاب زمنيا بحسب ما جاء به إلى مرحلتين أو فصلين من كوميديا سوداء بطلها مسروق الذى يجسد نموذجا للاستلاب والقهر، الذى جعله الكاتب معادلا موضوعيا لشعب بأكمله جاءت بشكل تراتبى فى أحداثها، تبدأ المرحلة الأولى قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك وفساد عصره السياسى وما به من عوار وقمع وتزاوج فج للمال بالسلطة، ثم تأتى المرحلة الثانية أو الفصل الثانى منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، والأمل الذى داعب قلوب المصريين فى التغيير وتنسم الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ليمتد إلى تاريخ آخر واقعة كتبت، وهذه المرحلة تحمل فى طياتها تضاعيف كثيرة من الأحداث والتفاصيل، بدءا من أحداث يناير، مرورا بمحمد محمود وماسبير و30 يونيو، وخلالها نرى منير بعين الأديب المتنبى أو نبوة الأديب يؤكد أنه لا تغيير وأن الثورة سرقت، ونلحظ ذلك فى كل حلقة كتبت ونشرت وقت الحراك الثورى ليناير قبل نشرها فى الكتاب من هذه الحلقات، مثلا: «الليلة عيد»، «حرامى اللوحة»، «الاشتراكى»، «الهلال مع الصليب»، ويعرى فيها منير بسخريته اللاذعة تجار الشعارات من قطبى دعاة التمدين والتدين معا الذين قفزوا على أحلام الشعب، لنلمس صدق نبوءته بأن الحراك الاجتماعى المأمول قد صار حراكا فى اتجاه الهاوية وما زال.

شخوص الوقائع جاء بعضها واقعيا فى غلالة من المواربة، لكنها غلالة شفافة يفهم المقصود بها من يلم ببعض أحداث الواقع مثل «هاميس الحريرى»، «عفت التعيس»، وبعضها خيالى استدعاه الكاتب، كما تتنوع اللغة بين العامية والفصحى فتوحى بمدى عبثية الواقع الذى يرصده الكاتب، لكن فى النهاية ينتصر للمهمشين من فئاته، وهذا طبيعى من رجل اشتراكى حتى النخاع.

فى رصد منير للأحداث كان بمثابة قارع جرس الإنذار على الأنظمة الفاسدة سواء قبل 25 يناير أو بعدها، وكأنه منجّم ماهر يقرأ كف مصر وينبئ المستبدين بأنهم فى خطر من غضب الشعب إذا استمر الحال على ما هو، وصدقت قراءته فى يناير ويونيو، كما يفضح الأحزاب الكرتونية المعارضة المزيفة التى تتلاعب بعواطف الكادحين نهارا بشعاراتها، وعقدها الصفقات مع النظام ليلا.

فى المجمل عند قراءة «وقائع مسروق بن مسروق» نستطيع أن نقول كما يقول المويلحى عن «حديث عيسى بن هشام» إنها «إن كانت موضوعا على نسق التخييل والتصوير فهى حقيقة متبرجة فى ثوب خيال لا أنه خيال مسبوك فى ثوب حقيقة».








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة