كان فى السابعة من عمره وقت عودته من "الكتاب"، فرأى جنود الاحتلال الإنجليزى يهاجمون بائع بطاطا جوالا، وينهبون تجارته وهو يبكى، ويحاول جمع ما يستطيع جمعه من تجارته المبعثرة، ولكنهم التهموا ما معه ولم يكتفوا بذلك بل ضربوا البائع بالسكين، وعاد الطفل منفعلا ثم نام، وفى الصباح قص ما شاهده إلى خاله، فقال له، هؤلاء عساكر من الفرنجة جاء بهم الخديوى ليحموه.
ألقت هذه القصة فى نفس "أحمد حلمى" _المولود فى فبراير 1875 _ بغضا للإنجليز وكرها لـ"الخديوى"، ولما شب أصبح ثائرا وصحفيا، ويظل فى سجلات التاريخ أول مصرى يتم سجنه أربعة شهور بتهمة العيب فى الذات الملكية " الخديوية، وجاء الحكم على أثر تزعمه لمظاهرة قوامها 25 ألف مصرى خرجت يوم "31 مارس 1909" احتجاجا على العودة للعمل بقانون المطبوعات الصادر عام 1881، وقضت المحكمة فى نفس القضية بتعطيل جريدة "القطر المصرى" التى كان يملكها ويرأس تحريرها، وصدر العدد الأول منها فى مثل هذا اليوم " 24 إبريل 1908 "، وشمل الحكم إعدام كل ما ضبط ويضبط من العدد "37" للجريدة.
كانت الصحافة لـ"أحمد حلمى" ثورة يتنفس منها ضد الظلم، وكانت "الميادين" مجاله المفتوح فى الخطابة لتعبئة المصريين ضد الاحتلال وفساد الحكم، وفى كتاب "أحمد حلمى _ سجين الحرية والصحافة" للدكتور "إبراهيم المسلمى"، نتتبع سيرة ثائر لم يكن رماديا فى نضاله.
كان "المحرر الأول" فى جريدة "اللواء" لسبع سنوات متصلة بدأت من العدد الأول لها عام 1900، وارتبط بعلاقة وطيدة بمؤسسها الزعيم الوطنى مصطفى كامل ويوم دفنه خطب على قبره بلوعة قائلا:" صديقى، أخى أستاذى، إمامى، انهض إلى تلك الجموع الهائلة، فاخطب بينها بلسانك الفصيح، تكلم فينا، لتحيى نفوسنا وتوقى عزائمنا".
وبعد رحيل مصطفى كامل استقال "حلمى" من "اللواء"، ليصدر بعد ثلاثة أسابيع صحيفة "القطر المصرى"، ويحدد خطها السياسى فى: السعى بكل الوسائل لتقوية الارتباط بين المسلمين والأقباط، وتجنب البحث فى كل ما يجر الكلام على الأديان، أو تفضيل واحد منها على الآخر مراعاة لعواطف من يدينون به، والإقلال من مناقشة الجرائم وعدم التعرض لأشخاصها بقدر المستطاع خصوصا إذا كانوا من الضعفاء الذين يكتب لهم ما ينشر بأسمائهم مما لا يستطيعون أن يقرأوه مصريا أو معرب.
شقت "القطر المصرى" طريقها بنجاح كبير، وصدرت فى البداية أسبوعية صباح كل جمعة، وبرغم الأمطار الشديدة التى صاحبت ظهور العدد الأول، إلا أنها وزعت بالكامل فى نفس اليوم، وأعيدت طباعتها وكان ذلك أول مرة يعاد فيها طبع جريدة مصرية سياسية طبعة ثانية.
بعد ستة أشهر وبالتحديد يوم 16 أكتوبر 1908 تحولت إلى يومية، وبلغ أثرها حد أن الخديوى عباس كان يقرأها خلافا لعاداته، ولم يكن يطالع غيرها من الصحف المصرية، وكان ضباط الجيش من جمهورها، ولما منعتها الحكومة السودانية، كان الضباط يخفونها فى طيات ملابسهم.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 24 إبريل 1908.. أحمد حلمى يصدر جريدة "القطر المصرى" فيصيح أول سجين رأى فى مصر
الخميس، 24 أبريل 2014 08:14 ص
صورة أرشيفية