خالد عزب: النصيحة السياسية بين التراث الإسلامى والمسيحى

الثلاثاء، 13 يونيو 2017 08:00 م
خالد عزب: النصيحة السياسية بين التراث الإسلامى والمسيحى غلاف كتاب النصيحة السياسية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صدر مؤخراً كتاب جرىء فى موضوعه وتناوله للباحث المغربى البارز عز الدين العلام، موضوع الكتاب: النصيحة السياسية.. دراسة مقارنة بين آداب الملوك الإسلامية ومرايا الأمراء المسيحية.

 

 و"العلام" يذهب بنا إلى قراءة مهمة هى لماذا نهض الغرب وتخلف العرب، هو يحاول عبر صفحات الكتاب أن يجيب على هذا السؤال؟

 

فعلى خلاف الحكم، الذى يتردد، غالباً على ألسنة الكثير، والقائل بوجود تباين شامل، واختلاف نوعى بين الحضارتين العربية- الإسلامية، والغربية- المسيحية، نؤكد وجود العديد من أوجه الالتقاء بينهما، على الأقل فيما كنا بصدد البحث فيه فى هذه الدراسة. وفى جميع الأحوال، لا يمكن أن ننفى أن الثقافة السياسية السائدة آنذاك، هنا وهناك، كانت تتقارب فى أكثر من نقطة.

 

لقد تمكن المؤلف، طيلة مجريات هذه الدراسات من تبيان بعض أوجه الالتقاء بين آداب الملوك الإسلامية ومرايا الأمراء المسيحية، (ولاسيما منها تلك التى تعود إلى الفترة "الكارولنجية" وهى نقاط التقاء تمس "النوع" (Le genre) الذى تندرج فيه كتابتهما السياسية، وهو ما أوضحناه فى معرض بحثنا فى "مورفولوجية" تأليفهما باستقرائنا لــ: "عناوين" هذه الكتابات و"مقدماتها"و"فهارسها".

 

وحتى لا يُقال إن ذكر تشابهات فى "الشكل" لا تعنى، بالضرورة، تطابقاً فى "المضمون"، أبرز كيف أن هذه الأدبيات السياسية تلتقى، فى طريقة تعاملها، مع "المرجع الدينى" من جهة ومع "القيم الأخلاقية" من جهة أخرى، وأوضحنا كيف أن المكانة التى تحتلها أوامر الدين، وفضائل الأخلاق، باعتبارهما "قيماً" أعلى شأناً من المجال السياسى، فعالية بشرية مستقلة حالت دون رؤية الدولة "قيمة" مستقلة فى حد ذاتها، دونما حاجة إلى تبرير وجودها، استناداً إلى قيم أخرى خارجة عنها.

 

وانطلاقاً من هذا المعطى، بل من انعكاساته، يتبين الرابط القوى، الذى تقيمه هذه الأدبيات السياسية بين الدولة وشخص الحاكم، ملكاً كان أو سلطاناً، ولا نتيجة لمثل هذا الرابط غير تأكيد السلطة المطلقة للملوك والسلاطين، واعتبار الرعايا مجرد "موضوع" لــ: "ذات" الحكام وعدله.

 

كما بين العلام، بعض أوجه التوافق بين هذه الأدبيات فى حديثها عن جهاز الدولة، سواء برجال الدين تعلق الأمر أم برجال الدولة؛ ذلك أن العلاقة بين رجال الدين والدولة، هنا وهناك، تميزت بلحظات تساكن وتوافق توزعت فيها الأدوار، وتمايزت الاختصاصات، كما شابها، أيضاً هنا وهناك لحظات تشنج وصراع، غير أنه، على خلاف بعض التصورات السائدة أكدنا أن ما طبع هذه العلاقة، على الخصوص، نوع من التمييز بين ما هو دينى وما هو دنيوى.

 

فى هذا السياق كما يذكر عز الدين العلام يلتقى مفهوم "المهمة" (ministerium) المسيحى بمفهوم "الخطط الدينية" الإسلامى. فللحاكم، ملكاً أو سلطاناً دولته ودنياه، ولرجل الدين فقيهاً أو قساً، دينه وأخراه. ولا يتعلق الأمر هنا بالتمييز بين المجالين فحسب؛ بل يسرى توافقهما خاصةً فى إقرار نوع من التكامل بين الوظيفتين أو السلطتين، حينما تؤكد مجموع هذه الأدبيات أن سلطة الدنيا القهرية من شأنها، إن لم يكن من الواجب عليها، أن تتدخل حينما تعجز هداية سلطة الدين المعنوية والأخلاقية عن القيام بمهمتها.

 

والمؤلف يؤكد أن ذكر هذه التوافقات لا يعنى القول بتطابق شامل بين هذه الأبيات السياسية؛ بل هناك تباينات عميقة تنبثق من قلب أوجه الالتقاء هذه، لا يمكنها إلا أن تثير انتباهنا؛ إذ إنها تكشف عن مسارين تاريخيين مختلفين، كما تبرز، فى الآن نفسه، محدودية الأدبيات الإسلامية، أو على الأقل تناسخها، وتكرار اللاحق لما قاله السابق.

 

فى نهاية الكتاب يذهب عز الدين العلام إلى أننا لو نظرنا فى أوجه الاختلاف بين آداب الملوك الإسلامية والجيل المتأخر من مرايا الأمراء المسيحية لاستنتجنا أن معظمها يرتبط ببوادر بناء الدولة الحديثة: تأويل جديد للقيم الأخلاقية، والأوامر الدينية، يساير تطورات الحياة السياسية، والانكماش المتواصل لدور المؤسسات الدينية، فى مقابل الحضور المتنامى لــ "بيروقراطية" دنيوية فى المجال العام، وإحلال سلطة القانون ومبدأ "التعاقد" وانتشارهما التدريجى فى المجالين المدنى والسياسى، والارتقاء بمفهوم "الرعية" التقليدى فى اتجاه بناء "الجماعة الوطنية".

 

تتموقع آداب الملوك الإسلامية على النقيض، تماماً من كل المقومات النظريات، التى قامت عليها الأدبيات السياسية المتزامنة مع تأسيس الدولة الحديثة، فمن جهة أولى، يحول الربط "العضوى"، الذى تقيمه بين "الدولة" و"شخص" السلطان، دون تبلور فكرة "الشىء العام"، ما يؤدى على الدوام إلى تغذية الفصم الأزلى بين "الفرد" و"الدولة"، وإلى إذكاء التعارض أو التخارج بين "الحرية" و"الدولة". ومن جهة ثانية، يؤدى تصورها للعلاقة بين مجالى "الأخلاق" و"السياسة" إلى الخلط بين أخلاق الفرد "المدنية" وأخلاق الدولة "السياسية" والحيلولة، من ثم دون رؤية الدولة فى استقلاليتها عن "قيم أخلاقية" ترهن مصيرها، وتحدد بشكل قبلى سلوكها، كما يؤدى تصورها للعلاقة بين "الدين" و"الدولة" إلى تقديس الحاكم، ما يحول مرة أخرى دون النظرة إلى الدولة على أساس أنها كائن مستقل، و"قيمة" فى حد ذاتها، تكفى ذاتها بذاتها.

 

تنظر هذه الآداب إلى الدولة على الدوام باعتبارها فى مرتبة دون "القيمة الأخلاقية"، و"الأمر الدينى"، وباعتبارها مفتقرة، باستمرار إلى هذه "القيم" الخارجة عنها، والأعلى منها لتبرر وجودها، ومن ثم إنها لا تعدو أن تكون أداة حاملة للقيم المذكورة، ومجرد وسيلة لبلوغ غاية أرقى منها... بيد أن الشرط الأساسى لبناء "نظرية الدولة" (La théorie de l’Etat) هو بالذات، اعتبارها "قيمة مستقلة" فى غير حاجة إلى قيم أخرى تستقى منها مبرر كينونتها؛ بل إنها تصبح "مستودعاً" لكل القيم، فتتوحد هكذا "القيمة مع التاريخ، والأخلاق مع الدولة".

 

كل الوقائع، اليوم تبين ضرورة تجاوز هذا النوع من التفكير السياسى نظرياً باستيعاب مطلب ((الحداثة))، والتسلح بمفاهيمها السياسية وعملياً بمسايرة حركة التاريخ، والانتقال من دولة السلطان إلى سلطان الدولة، وهذا موضوع آخر.

 

عز الدين العلام فى هذا الكتاب يقفز بنا خطوات فى دراسة علم السياسة عند المسلمين، هذا العلم الذى بات فى حاجة ماسة لإعادة تقييمه فقد دار فى فلك خدمة الحاكم أكثر منه علم هدف إلى بناء الدولة وتطويرها، لذا فإن تيارات الإسلام السياسى تتبنى الكثير من مقولاته لاعتبارها العلاقة بين الحاكم والرعية علاقة تبعية، المساءلة فيها ليست لها مساحة كبيرة.

 
scan0359

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة