لم يتجاوز ال 12 عاما من عمره ، ولكنه تحمل المسئولية منذ الصغر ، حتى أصبح يذهب للمدرسة فى الصباح الباكر ويعود للمذاكرة وإنهاء واجباته المدرسية، وبعدها يخرج لبيع "المناديل" بأحد المواقف، وبذلك جعل لنفسه نصيبا من اسمه "منتصر" ، حيث انتصر بذلك على ظروف وأعباء الحياة التى فرضت عليه منذ الصغر ليكون سندا لأسرته .
"ربنا اللى عالم بيا وأنا راضى"، بهذه الكلمات ، بدأ "منتصر" صاحب ال 12 عاما ، حديثه لليوم السابع، حيث أكد أنه خرج للدنيا ولم يجد والده ووجد نفسه يحمل على عاتقه جزء من مسئولية مصاريف البيت .
وأضاف صاحب ال 12 عاما قائلا: "بشتغل عشان أساعد أمى وجدتى وكمان عشان اختى تكمل تعليمها" ، موضحا أنه يبدأ يومه منذ الصباح الباكر بالذهاب للمدرسة وبعدها يعود لتناول الغداء ويتحرك بعدها لأحد المواقف بمحافظة الفيوم لبيع المناديل ويعود مع نهاية اليوم للانتهاء من واجباته المدرسية والمذاكرة .
وتابع وعيناه لامعتان :"العيال فى الشارع بيتريقوا عليا ويقولولى يا منديل وأنا برد عليهم وأقولهم أنا راجل وبشتغل عشان أساعد أمى" ، مضيفا : "راضى الحمد لله ومش هبطل أروح المدرسة أنا فى الصف السادس الإبتدائى وبحلم أكون حاجه كبيرة تشرف أمى وتعوض تعبنا وإن شاء الله هدخل كلية الشرطة وأكون ضابطا" .
حديث والدة الطفل منتصر حول كيف ينظر له من حوله ، يجعل الطفل يتأذى نفسيا ، ويجعلنا أما حاجه ملحه لتبنى حملات توعية داخل المجتمع حول عمل الأطفال وأهمية توعية الأسر بعمل الأطفال وكيف يمكن أن يعمل الطفل دون أن يتأذى نفسيا من نظرة من حوله ومعايرته بعمله.
ولكن الأمر الايجابى فى حكاية منتصر ، أنه يدرك هو وأسرته بأهمية التعليم ولن يتنازل عن حلمه فى استكمال دراسته ليحقق حلمه فى أن يكون ضابطا.
ونحن نتحدث عن حكاية منتصر الذى قد نجد مثله حالات أخرى مشابهه ينبغى ضرورة تكاتف كافة الجهات المعنية للقضاء على أسواء أشكال عمل الأطفال بحلول عام 2025 وفق الخطة الوطنية التى أقرتها منظمة العمل الدولية ، وهو ما يتطلب حملات توعية على مستوى القرى والنجوع وتغيير سلوكيات الأسرة وتبنى سياسيات من شأنها دعم هؤلاء الأطفال وهو ما تسعى له الحكومة المصرية بالتعاون والتنسيق مع منظمة العمل الدولية .
لا تصنف كل الأعمال التي يقوم بها الأطفال تحت عمل الأطفال الذي يستهدف القضاء عليه، حيث أن مشاركة الأطفال أو المراهقين في الأنشطة التي لا تؤثر على صحتهم أو نمائهم الشخصي أو تتعارض مع دراستهم ، مثل كسب مصروف للجيب عقب ساعات الدوام المدرسي أو أثناء العطلة المدرسية ، ينظر إليها نظرة إيجابية حيث تسهم في تنمية الأطفال ، وتزويدهم بالمهارات والخبرات اللازمة ، والمساعدة على إعدادهم ليصبحوا أعضاء منتجين في المجتمع أثناء حياتهم كبالغين .
وفقا لاتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 138 لسنة 1973 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام ورقم 182 لسنة 1999 بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال ، يشير عمل الأطفال للعمل الذي يشكل خطرا وضررا على الأطفال من الناحية العقلية ، والبدنية ، والاجتماعية أو الأخلاقية .، ويتعارض مع دراستهم ويؤثر عليها حيث يحرمهم من فرصة الالتحاق بالمدرسة والمواظبة على الدراسة ، ويجبرهم على ترك الدراسة قبل الأوان ، ويتطلب منهم محاولة الجمع بين المواظبة على حضور الفصول الدراسية والقيام بالأعمال الشاقة لساعات طويلة .
وتشير اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 لسنة 1999 بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال إلى الأعمال التي يجب القضاء عليها على الفور لكافة الأطفال دون 18 عاما ، بصرف النظر عن الوضع الاقتصادي للبلد المصادقة على الاتفاقية . وتحدد المادة رقم 3 أسوأ أشكال عمل الأطفال كالأتي : كافة أشكال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق ، كبيع الأطفال والاتجار بهم ، وعبودية الدين والقنانة والعمل القسري أو الاجباري ، بما في ذلك التجنيد القسري أو الاجباري للأطفال لاستخدامهم في صراعات مسلحة، واستخدام أو تشغيل أو عرض طفل لأغراض الدعارة ، أو انتاج أعمال إباحية ، أو أداء عروض إباحية ، واستخدام أو تشغيل أو عرض طفل لمزاولة أنشطة غير مشروعة ، وبخاصة إنتاج المخدرات بالشكل الذي حددت فيه في المعاهدات - الدولية ذات الصلة ، و الأعمال التي وفقا لطبيعتها أو الظروف التي تزاول فيها من المرجح أن تتسبب في الإضرار بصحة وسلامة أو نفسية الأطفال .
وعلى مستوى مصر تم اتخاذ العديد من الخطوات لمواجهة مشكلة عمل الأطفال ، حيث تم اتخاذ خطوات مختلفة لمكافحة عمل الأطفال وأسوأ أشكاله على عدة مستويات تتمثل فى إضافة وحدة جديدة إلى ديوان عام وزارة القوى العاملة بمسمى إدارة رعاية الأطفال ( إدارة التفتيش على عمل الطفل حاليا ) بموجب القرار الوزاري رقم 169 لسنة 2001، و إضافة وحدات رعاية الأطفال بمديريات القوى العاملة ، مماثلة لتلك التي أنشئت بديوان عام الوزارة لتنفيذ سياسة الوزارة في مجال رعاية وحماية الأطفال العاملين على مستوى كل مديرية بموجب القرار الوزاري رقم 180 لسنة 2001 بتعديل القرار الوزاري 125 لسنة 1996 .
كما تم استحداث إدارة عامة بمسمى الإدارة العامة لشئون المرأة والطفل ويتبعها إدارة متخصصة للتفتيش على عمل الأطفال والأحداث بموجب القرار الوزاري لوزارة القوى العاملة رقم 47 لسنة 2016 وتختص بوضع السياسات العامة والخطط والبرامج التي تكفل حماية الأطفال والأحداث العاملين من مخاطر العمل وحوادثة وأمراضه المهنية ، وضمان توفير ظروف العمل الملائمة وشروطة العادلة بما يكفل لهم تحقيق الحماية اللازمة والاستقرار في محيط العمل بالإضافة إلى المشاركة مع جهات الاختصاص المعنية الأخرى في وضع السياسة العامة والخطط والبرامج التي تكفل القضاء على عمل الأطفال إصدار القرار الوزاري لوزارة القوى العاملة رقم 118 لسنة 2003 والذي يتضمن في مادته الأولى أنه لا يجوز تشغيل الأطفال الذين يقل سنهم عن ثماني عشرة سنة في عدة مهن وصناعات منها " المحاجر ، كبس القطن ، تجهيز وبذر ورش المبيدات الزراعية . "
كما وضع المجلس القومي للطفولة والأمومة استراتيجية عمل الأطفال في 2006 بحيث تهدف إلى إعداد برامج وقائية ، وعلاجية ، وتأهيلية وتنقيح وتعديل السياسات والتشريعات ، وتنفذ الاستراتيجية بالتعاون مع الوزارات المختصة ، و 23 منظمة غير حكومية ، ورجال الأعمال والشركاء الدوليين ، و إنشاء مدارس مجتمعية بموجب القرار رقم 30 لوزارة التربية والتعليم لتمكين الأطفال من اللحاق بركب الأطفال المقيدين بالنظام المدرسي الرسمي ، بوتيرة تتوافق وإمكاناتهم ، وذلك لمنع التسرب من المدارس كلية وعودة الأطفال إلى شكل من أشكال التعليم الرسمي، و إنشاء لجان حماية الطفل في 26 محافظة تحت اشراف المجلس القومي للطفولة والأمومة لتمثل آلية تنسيق بموجب قانون الطفل .
وينبغى أن نشير ونحن نتحدث عن عمل الأطفال ، إلى الخطة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال والتى تستهدف الإسهام الفعال فى القضاء على عمل الأطفال بكافة أشكاله بحلول 2025 ، حيث ترتكز استراتيجية تنفيذ الخطة على إنشاء قاعدة بيانات موثوقة ومستدامة عن عمل الأطفال وأسوأ أشكاله لتمكين صانعي السياسات والجهات الفاعلة الوطنية من الاستعداد بشكل أفضل لطرح الحلول الفعالة للقضية .
كما تشمل عملية تنفيذ استراتيجية خطة العمل الوطنية ، إنشاء أجهزة تنسيق وطنية وإقليمية لمكافحة عمل الأطفال وإضفاء الطابع المؤسسي عليها، وإرساء إطار حيوي ، للتشاور واتخاذ والإجراءات ، يجمع مختلف الجهات الفاعلة المعنية بمكافحة عمل الأطفال مواءمة وتعزيز إطار قانوني ملائم وموات لمراقبة ومنع عمل الأطفال بشكل أفضل تعزيز القدرات الفنية والمؤسسية للجهات الوطنية الفاعلة لتصبح أكثر ملائمة وقدرة على تنفيذ تدابير وإجراءات متسقة لمكافحة عمل الأطفال، و إنشاء نظام فعال لرصد عمل الأطفال، و تنفيذ إجراءات مباشرة وملموسة تهدف إلى منع وحماية الأطفال ممن هم في أوضاع هشة أو ضحايا الاستغلال الاقتصادي وذلك للتصدي للمسببات والعواقب المتعددة لعمل الأطفال في مصر والقضاء على أسوأ أشكاله .
كما تشمل تعزیز شبكة الأمان الاجتماعي لتحسين رفاة الأطفال ضحايا عمل الأطفال وأسرهم . تعزيز وترسيخ التعليم البديل ، والتعليم الفني والتدريب والتدرج المهني لمكافحة عمل الأطفال، و تنفيذ خطة اتصال وحشد واسعة النطاق تتضمن الأطراف الفاعلة الرئيسية في مكافحة عمل الأطفال بهدف تغيير موقف العامة المتسامح هذه الظاهرة ، وتمكين الأطفال من أجل المشاركة في التصدي لعمل الأطفال ، وتحديث قائمة المهن الخطرة والسابق تحديدها بالقرار الوزاري رقم 118 لسنة 2003.
وفى النهاية ونحن نتحدث عن حكاية منتصر لابد وأن نكون على أمل أن الجهود التى تبذلها الدولة ستأتى بثمارها وتنجح فى القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال ، ولكن علينا أن ندرك أننا لابد أن نتبنى حملات توعية بخطورة عمل الأطفال وأسوأ أشكال عمل الأطفال وأهمية ألا يؤثر عمل الأطفال على صحتهم وعلى تعليمهم .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة