لماذا أثارت المجموعة القصصية "أرنى الله" لـ توفيق الحكيم الجدل؟

الأحد، 27 فبراير 2022 05:27 م
لماذا أثارت المجموعة القصصية "أرنى الله" لـ توفيق الحكيم الجدل؟ توفيق الحكيم
كتبت أميرة شحاتة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 
عندما تقرر أن تقرأ أيًا من إبداعات توفيق الحكيم الكثيرة جدًا، حيث إنه عاش ما يقرب من 90 عامًا لم يبخل فيها أبدًا على الأدب بأعماله، تجد أنه لا يمكن أن تمنع عقلك من التفكير بعمق في كل تفصيله في الحياة، يأخذك الحكيم كالطفل مسحوبًا وراءه ويدخلك إلى عالمه الخاص، تسافر معه إلى أماكن لم تذهب إليها بعقلك من قبل، وتتعرف على أشياء تتعامل معها بشكل يومى ولكنك لم تدركها أبدا، فلا عجب في أن يسمى نوع المسرح الذى يكتبه بالمسرح الذهنى، فهو يكتب لك دائما لتفكر.
 
ربما لهذا السبب لم يتوقف توفيق الحكيم عند قالب معين أو منطقة يعتبرها البعض محذورة مثل المسائل الدينية وبداية الخلق، لأن الفكر يجب أن يتميز بمساحة من الحرية لا تعرف الحواجز ولا تستوقفها المعتقدات، وهذا بالضبط ما فعله الحكيم في مجموعته القصصية "أرنى الله" التي صدرت فى طبعتها الأولى عام 1953، وتنشر حاليًا بين إصدارات دار الشروق في 152 صفحة، وما زال الجدل حولها قائم على منصة القراء الإلكترونية "Goodreads" لأكثر من عشر سنوات بين قارئ مدعم وآخر غاضب بشدة، ولم تتوقف أبدا التعليقات الجدلية بين القراء.
 
يبدأ الكاتب أول قصة له بسؤال طفل لأبيه بمنتهى البساطة والبراءة معًا "أرنى الله"، ولكن الإجابة لم تكن بنفس سهولة إلقاء السؤال، لم يجد الأب إجابة مناسبة لابنه، وذهب يسأل المشايخ والعلماء عن الإجابة المثلى دون الاسترسال في تبريرات أو كلمات محفوظة، فهو أب يبحث بصدق لابنه عن الإجابة، هل يمكن أن أرى الله وكيف أراه واجعل ابنى يراه معى؟ للوهلة الأولى عند قراءة هذه القصة تجد نفسك تتذكر قصة النبي موسى عند رؤية الله كما جاءت في الآية 143 في سورة الأعراف، وكيف أغشى عليه دون أن يدركه بصره، وتتساءل ماذا أراد الحكيم بقصته هذه، وهل له رأى آخر في قصة تجلى الله لنبيه، ولكنك تجده يصل بك بسلاسة إلى نهاية مشابهة، تؤكد على فكرة أن الله لا يمكن إدراك وجوده إلا روحانيا ليس عبر الحواس محدودة الإمكانية.
 
ويفتح بذلك الحكيم بوابته الخاصة إلى مناطق شائكة أكثر ولكن هذه المرة لا ينهيها النهاية المتوقعة، وهذا ما أدى إلى الجدل الشديد، تحديدًا مع قصة الشهيد التي كانت بمثابة فكرة لا تطرق على رأسنا كثيرًا، وهى ماذا لو أراد إبليس بصدق أن يتوب يوما؟، ومن هنا خلق الكاتب مواجهته الخاصة بين إبليس والثلاث ديانات السماوية ثم حديثه في السماء مع الملاك جبريل، هذه المواجهة التي ستستوقفك مرات عديدة لتعيد القراءة وأنت مندهش مرة ومتسائل مرة أخرى وقد تعترض وقد تدعم، أي إن كان موقفك بعد القراءة، فإن الشيء الوحيد المؤكد بشأن هذه المواجهة أنها ستستحوذ على تفكيرك وتستفز فيك العقل والقلب لتندمج بين السطور وتخرج منها بالنهاية وأنت في حالة لا يمكن معها الصمت.
 
ويتحرك الحكيم بقلمه من قصة لقصة وهو يعلم جيدا ما الذي سيهتز له كيانك وما الذي سيلطف عليك بعد ما قرأته في القصة السابقة، وكأنه يرضيك مرة بحس كوميدي يرسم الابتسامة رغما عنك وربما يجعلك تضحك بصوت عالى، ويشدك مرة أخرى من مساحتك الخاصة كاسرا حيز الراحة الذي تضع فيه عقلك وملقيًا بك في بئر من الأفكار.
 
يلطف الحكيم من مواجهة إبليس السابقة بقصته الممتعة عن الحظ وهو يصفه كموظف البريد المتعب الذى يريد إنهاء مهمته دون تمييز، لا يهمه من المتلقى وإن كان هذا الظرف ليس له، سيعطى من يقترب منه بعضا من رسائل الحظ حتى يفرغ منها، ثم يلفت نظرك في قصة أخرى بوجهة نظر مختلفة تمامًا عن الانتحار، ويصوره على أنه بداية جديدة في عالم مختلف بعيدا عن الواقع المؤلم ولكنه مع ذلك يرفض أن يستسلم لهذه الرؤية ويعرض من خلال حوار أبطال القصة ما يدعم وما يعارض، لينقل القارئ بعد ذلك لقصة بداية الخلق في "كانت الدنيا" ومعها ينفد صبر البعض ممن لا يطيقون أن تخبرهم بشىء مخالف لما يعرفونه حتى وإن نوهت من البداية أنك تعرض طريقة رواية مختلفة لقصة حقيقية، فيشتد التشابك بين معارضين ومؤيدين مجموعة الحكيم القصصية.
 
كما شملت قصص الحكيم على مفاهيم جسدها الكاتب في شكل أشخاص من جسد وروح، وجعل لها أصوات خاصة بها مثلما جعل الفكرة تتحدث وتخاطب صاحبها من داخل عقله، تطلب منه الكشف عنها وإخراجها للعالم، وكذلك تجلى مفهوم التوبة في قصة امرأة غلبت الشيطان، وظهر الحب حقيقيا وقويا في محاكمة اتضح فيها أن المجنى عليه ما هو إلا ضحية فقدان الحبيب. 
 
في النهاية ربما ناقش الحكيم شيء جدلي من حين لآخر ولكن هذه هي الغاية من الأدب، وهذه هي المساحة الفكرية التي دفعت بالقارئ للتفكير واتخاذ موقف والتفاعل بكل كيانه.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة