وجود المقاهي فى قلب المحروسة لها منزلتها الخاصة فى عقول المصريين، نظرًا لتنوع مرتاديها وشهادتها على أحداث سياسية وثقافية مهمة، بخاصة في التاريخ الحديث، ومنذ انتشارها القرن الثامن عشر، حتى توسعت في عهد الأسرة العلوية، وأصبحت جزءًا ومكانًا شبه مألوف لدى المصريون وكأنها بيتهم الثانى.
وكانت المقاهى فى بدايتها أماكن مخصصة لتناول المشروبات الأخرى، كالحلبة، الكركدية، القرفة، والزنجبيل، كما لم يكُن الدخان معروفًا أيضًا حتى القرن الحادى عشر الهجرى، حيث يقول محمد بن عبد المعطي الإسحاقي، إن ظهور الدخان كان سنة 1012 هجريًا، غير أن مشكلة الدخان كانت أكثر تعقيدًا، فتمسك كثير من فقهاء المسلمين بتحريمُه، وكثيرًا ما كان يطارد مدخنوه تمامًا، كمّا يطارد مدخنو الحشيش في أيامنا.
منذ أن اتسعت القاهرة، لم تعد الحياة قاصرة فيها على الخلفاء الفاطميين وحاشيتهم، ولا شك أن المقهى كان موجودًا بشكل مختلف عما نعرفه الآن، فالقهوة التى استمد منها المكان اسمه لم تدخل مصر إلا في القرن السادس عشر الميلادي، وقيل إن أول من اهتدى إليها هو أبوبكر بن عبدالله، المعروف بالعيدروس، حيث كان يمُر في سياحته بشجر البن فاقتات من ثمره حين رآه متروكًا مع كثرته، فوجد فيه تجفيفًا للدماغ واجتلابًا للسهر، وتنشيطًا للعبادة، فاتخذه طعامًا وشرابًا.
لم يكتف أبوبكر بذلك، بلّ أرشد أتباعه إليه، ثم وصل أبوبكر إلى مصر سنة 905 هجريًا، وهكذا أدخل الصوفية شراب القهوة إلى مصر، واختلف الناس حول هذ المشروب الجديد، هل هو حرام أم حلال، حيثُ حرم البعض القهوة لما رأوه فيها من الضرر، وخالفهم آخرون ومنهم المتصوفة، وفى سنة 1037، زار القاهرة الرحالة المغربي أبوبكر العياشي، ووصف مجالس شرب القهوة في البيوت، والأماكن المخصصة لها.