أدرج الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، اسم محمد عبده فى مشروع "حكاية شارع"، وذلك لتعريف المارة بقصة الشارع، حيث وضع لافتة تحمل اسمه وكل التفاصيل عنه.
ولد محمد عبده بن حسن خير الله بـ"محلة نصر" مركز "شبراخيت"، بمحافظة البحيرة في سنة 1845. وبدأ في تلقي مبادئ القراءة والكتابة والحساب على يد والده، وعندما ألمَ بشئ من المبادئ الأولى في التعليم، ألحقه والده بكُتاب القرية، فأتم حفظ القرآن الكريم كاملاً في سنتين.
ولما بلغ خمسة عشر سنة ألحقه والده بالمعهد الديني الملحق بالمسجد الأحمدي بطنطا، ولكن بعد مدة قصيرة بدأ محمد عبده ينفر من أسلوب وطريقة تدريس العلوم الدينية والعربية السقيم العقيم، فقرر الرجوع إلى قريته ليعمل مع إخوته بالفلاحة. ولكن والده أصر على عودته إلى الجامع الأحمدي، حيث أمضى به خمس سنين حتى أتم تعلمه فيه.
وفى سنة 1866م توجه إلى القاهرة ليلتحق بالجامع الأزهر حتى يتلقى العلم على شيوخه، وبعد فتره قضاها في تلقي العلم بالجامع الأزهر أحس بالنفور من الطريقة القديمة التي تدرس بها العلوم في الجامع الأزهر. وكاد محمد عبده ينصرف عن دروس الأزهر لولا أستاذه الشيخ “حسن الطويل” حيث وجد فيه محمد عبده عوناً على تحمل تقاليد الأزهر، كما وجد فيه الينبوع الذي يرتجيه لينهل من علومه ومعارفه وفنونه، وقد تأثر محمد عبده بهذا الشيخ كثيراً.
محمد عبده
نشأ “جمال الدين الأفغاني” في بيت علم وفضل وكرامة وسيادة، واشترك في أمور الحكم في بلاد الأفغان، ثم رحل إلى الهند، وطاف بكثير من البلاد الشرقية والغربية. ثم قدم إلى مصر للمرة الثانية عام 1871م، فاتصل به الشيخ محمد عبده، وبدأ في حضور دروسه، ولازم مجالسه التي كانت مجالس حكمة وعلم.
واستطاع الأفغاني أن يزرع في الشيخ محمد عبده الفكر الإصلاحي، والتجرد الكامل للدفاع عن الإسلام، والتسلح الفكري والفلسفي لرد هجمات المستشرقين والمغرضين.
حياته العملية:
وفى سنة 1877م حصل الشيخ محمد عبده على شهادة العالمية من الأزهر. وبعد تخرجه عُين مدرساً بمدرسة دار العلوم، حيث قام بتدريس علم التاريخ بأسلوب جديد بعيداً عن السرد الجاف والحشو التافه، وداخل قاعات الدرس وخارجها، شارك مع شيخه الأفغاني في معركة الجهاد من أجل الإصلاح.
لكن طموح محمد عبده لم يتوقف عند هذا الحد بل واصل مسيرة النجاح، فعمل صحفياً بالوقائع المصرية إلى أن وصل إلى رئاسة تحريرها (1880-1882). ولم يكن ذلك أول عمل لمحمد عبده بالصحافة، فقد كتب في الأهرام عندما كان طالباً بالأزهر مشيراً إلى عظمة مصر وتمدنها.
بدأت أفكار وأراء محمد عبده تثير حقد المحافظين عليه وسعوا إلى عرقلته حتى تم فصل محمد عبده من وظيفته فى سنة 1882 وخاصة بعد أن ظهر ميله إلى أحمد عرابي وثورته، حيث مثل الإمام محمد عبده الاتجاه الفكري المعتدل في صفوف الثورة العرابية.
محمد عبده ما بين سوريا وباريس:
في سنة 1882م سافر الإمام إلى سوريا حيث عمل مدرساً بمدارسها لمدة معينة. ثم سافر إلى باريس حيث التقى بأستاذه جمال الدين الأفغاني هناك، واشتركا معاً في إصدار مجلة “العروة الوثقى” في سنة 1888م، وكان هدف هذه المجلة هو الجهاد ضد الاستعمار والدفاع عن البلاد الإسلامية وبعث الروح الوطنية فيها.
وفى نفس السنة عاد إلى بيروت، واشتغل بالتدريس، وكتب “رسالة التوحيد” التي تعد فتحاً جديداً في هذا العلم، ومدخلاً إلى الاجتهاد بعد طول توقف وجهود لا يتوافقان مع متغيرات العصر، ومن بيروت بعث برسالتين إلى أولي الأمر من الدولة العثمانية شرح في الأولى أحوال الدولة ووسائل النهوض بالتعليم الديني والمدني، وفى الثانية بيان بأحوال ولاية الشام، ووسائل الإصلاح الضروري الملائم لها.
عودته إلى مصر:
أصدر الخديو توفيق عفواً عن محمد عبده، ورجع إلى مصر، وعُين قاضياً بالمحاكم الأهلية لإبعاده عن التدريس، فعُين قاضياً بمحكمة بنها فى 1889م، ثم قاضياً بمحكمة الزقازيق في نفس السنة، ثم عُين قاضياً بمحكمة عابدين، وبعد ذلك عُين مستشاراً بمحكمة الاستئناف سنة 1891م.
وفى عام 1892م شارك في تأسيس “الجمعية الخيرية الإسلامية”، ومن خلال هذه الجمعية راح صوته يرتفع من جديد بأفكاره الإصلاحية المعتدلة، التي تدعو إلى التعليم واستخدام العقل والاستفادة من التقدم العلمي، ونبذ البدع والخرافات والأساطير.
وهكذا تحول محمد عبده إلى مدرسة من مدارس الفكر الإصلاحي الديني، وأصبح مصلحاً دينياً عظيماً وأستاذاً لجيل من العلماء الذين نشأوا على يديه، وأشهرهم “محمد رشيد رضا”، و”مصطفى المراغي”.
وكان قبل هذا قد عيَن عضواً دائماً بمجلس الشورى فى 25 يونية 1890م وعضواً في مجلس الأوقاف الأعلى.
وعندما توفي الخديو توفيق وخلفه ابنه عباس الثاني، قام بتقريب الشيخ محمد عبده من مجلسه، وكان يستشيره في كثير من الأمور، وقام بإسناد منصب مفتى الديار المصرية إليه في 3 يونية 1899، فوضع الأساس لإصلاح المحاكم الشرعية، وإصلاح الأزهر، وفتح باب الاجتهاد، وظهر ذلك واضحاً في الفتاوى التي كان يصدرها مستنداً إلى الحجه الصائبة، والبيان الفصيح والشجاعة الواثقة والبرهان القاطع.
وبعد ذلك قام بتأسيس “جمعية إحياء العلوم العربية” وذلك في سنة 1900م، وكان هدفها الارتقاء بمستوى اللغة العربية.
جهود محمد عبده الإصلاحية:
لقد حاول محمد عبده التوفيق بين الدين والعلم الحديث، وبين الحضارة الأوروبية والقيم الإسلامية، فمن رأيه أن الإسلام يهتم اهتماماً كبيراً بالعقل باعتباره وسيله لكشف الحقيقة. كما سعى الإمام محمد عبده إلى إصلاح الأزهر الشريف حتى حقق بعض آماله فأدخل إلى المناهج الدراسية به بعض العلوم الحديثة للارتقاء بمستوى التفكير للطلاب.
وفاته:
لقد ظل محافظاً على كرامة العلم والدين حتى وفاته في يوم الثلاثاء الموافق 11 يوليو 1905م ، برمل الإسكندرية ودفن في القاهرة.
مؤلفاته:
ترك الإمام محمد عبده عدداً من المؤلفات البالغة الأهمية، يمكننا أن نحضر منها الأعمال التالية:
رسالة التوحيد.
تفسير جزأى (عم وتبارك).
شرح نهج البلاغة.
شرح مقامات بديع الزمان.
العلم والمدنية في تاريخ الإسلام والنصرانية.
تحقق وشرح “دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة” للجرجاني.