"إنها مجنونة.. فقط هي مجنونة" هكذا وصف الروائي الكولومبي الراحل جابرييل جارسيا ماركيز، مواطنته المطربة العالمية شاكيرا حين سئل عن سر إعجابه بها، حيث قال إنها برأيه أجمل مجنونات العالم والوجه الأكثر إشراقًا وتعبيرًا عن كولومبيا بلاد الغابات والمخدرات والثوار والأحلام التي لا تموت.
شاكيرا، كانت وجها آخر لكولومبيا على نقيض ماركيز، هي الحياة المفعمة بالجنون، المرأة الجامحة المتمردة، التي تمثل هوس العالم وتناقضاتها في آن واحد، بينما ماركيز حينما عرفها كان الروائي العجوز صاحب القلب الشاب النابض دائما بالحب والأمل.
ربما الاثنان لا يتشبهان لكنهما كان تقربا في النهاية وأصبح العجوز والحسناء مثالا واضحا للصداقة بين جيلين مختلفين لا يجمعهما سوى الجنسية الواحدة، ففي عام 1977، حيث خرجت شاكيرا إلى العالم، كان ماركيز في أزهى مجده الأدبي، خاصة بعد نشر رائعته "مائة عام من العزلة" في آواخر الستينيات، وكتبت معها بداية شهرته في عالم الإبداع.
في نهاية التسعينيات، كانت شاكيرا نجمة عالمية على كافة المستويات، بينما ماركيز أصبح واحدا من آباء الكتابة الإبداعية في العالم خاصة بعد حصوله على جائزة في نوبل الآداب قبل بنحو ربع قرن، كانت ذلك الوقت الذي كتب صداقة العجوز ذو القلب الشاب والمجنونة الحسناء.
في ذلك التوقيت اتصل "ماركيز" بالمرأة الأشد فتنة وقتها كما وصفتها المجلات الفنية وقتها "شاكيرا" وطلب بأدب جم إجراء مقابلة صحفية معها!، وهكذا كانت بداية علاقة الصداقة التي جمعت بين واحد من أكبر روائي العالم والمرأة الأشد فتنة.. شاكيرا: الجنون واللهب.
في البداية اندهشت شاكيرا: "أنا لا أفهم كيف أن شخصية عظيمة بقامته يهتم بعمل مقابلة صحفية معي؟"، لكن العجوز الكولومبي كان له رأى آخر: "فهذه الوردة النارية هي كولومبيا كلها بكل تناقضاتها جمعت في امرأة".
بالعودة إلى صيف عام 2001، قبل عدة أشهر من صدور أول ألبوم لها باللغة الإنجليزية، كرمت في برنامج Funhouse TV مع العديد من المطربين اللاتينيين، لكن شاكيرا كانت ذات وضع خاص بين كل هؤلاء، فقد عرفت بأنها صاحبة ذوق موسيقي انتقائي حاد، وتمكنت من التحدث ببلاغة عن الأمور التي ينحرف عنها نجوم البوب، ويكفى أنها الوحيدة في ذلك الحديث وبلور حضورها في ذلك الوقت أنها الوحيدة التي تحدث عنها الأديب العالمى جارسيا ماركيز حيق قال إنه أحب موسيقاها، فى مقال نشر سنة 1999.
الحوار السابق كان مميزا في علاقة شاكيرا بأدب نوبل العالمى، لكن يظل مقاله عن "شاكيرا" التي نشرته جريدة الجارديان البريطانية، في 8 يونيو عام 2002، هو الأهم، فقد وصف الموسيقى الخاصة بها بأنها فريدة ولا تُشبه أحدا، "لقد صنعت علامتها التجارية الخاصة من الحساسية المفرطة".
كان ماركيز يرفض دائما أن تتحول أعماله إلى أفلاما سينمائية، لكنه أخيرا في عام 2007 وافق على تحويل روايته "الحب في زمن الكوليرا" في فيلما سينمائي، لكنه طلب أن تغنى شاكيرا في فيلمه.
صداقة بدأت بحوار صحفي، واكتملت بغناء الفتاة الحسناء في فيلم عن رواية العجوز الكولومبي "الحب في زمن الكوليرا"، بعدما تغنت في عام 2007، من ألحان أنتونيو بنتو في فيلم "الحب في زمن الكوليرا" ومنذ هذا الوقت بقيت شاكيرا ملازمة لماركيز في سنواته الصعبة الأخيرة، حتى رحيله في 17 أبريل عام 2014.
من وقتها اجتمعا الكولومبيان الموهوبان جابرييل جارسيا ماركيز وشاكيرا إيزابيل مبارك وارتبطا بصداقة قوية، وكانت دائمة زيارته في أيامه الأخيرة، ووصفت حياته بأنها بمثابة "هدية فريدة لن تتكرر".
وقد اشتهرت أكثر من صورة تجمع بين جابريل جارسيا ماركيز وشاكيرا، وهي صور يحبها المثقفون، ويكتبون عنها، والمعروف أن ماركيز قال عن شاكيرا "لا أحد بوسعه أن يغنى ويرقص مثل شاكيرا.. إذ تبدو وكأن هذه الأحاسيس البريئة من اكتشافها هي وحدها".
ولماركيز مقال عن شاكيرا ضمن مقالات كتابه "غريق على أرض صلبة"، في هذا المقال يكتب جارسيا ماركيز بإعجاب لا يستطيع أن يخفيه ولا يرغب في إخفائه عن شاكيرا وعن نمط حياتها التي تصل الليل بالنهار.
ويتضح من المقالة أن سبب إعجاب رائد أدب الواقعية السحرية بالفنانة الشابة، أنها تعمل أياما متصلة دون لحظة راحة واحدة، وتطير مائة ألف كيلو متر خلال شهر واحد ثم تعود إلى منزلها مع أضواء الصباح الأولى.
وقال ماركيز في مقاله: "إن هذا القلق الجامح ولد معها، وسيظل يلازمها حتى شيخوختها، فهي الابنة الوحيدة لصانع شهير في برانيكا، السيد وليام مبارك، وزوجته السيدة نديا ريبول، وهى عائلة من أصول عربية حظيت بالكثير من الفنانين والأدباء.
وبعد سنوات من رحيل ماركيز الذي رحل عام 2014 نشرت الفنانة العالمية شاكيرا عبر حسابها الشخصي بموقع "إنستجرام" عام 2019، صورة تجمعها به، وعلقت شاكيرا على الصورة: "إن محاولة تلخيص مثل هذا الشخص الكبير بكلمات قليلة هى مهمة صعبة للغاية، ولكن محاولة تذكر شخص مثله أمر سهل للغاية، الجميع يعلم سحر كتبه وقصصه، لكن قلة منا حظيت بثروة لمعرفة السحر الذي صنعه، وسحر معرفته بشكل شخصي، ويمكننى اعتبار نفسي شخصًا محظوظًا".