يمر اليوم 73 عاما على رحيل الضاحك الباكى نجيب الريحانى الذى رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم الموافق 8 يونيو من عام 1949، بعد رحلة مع الفن والحياة خلدت اسمه فى سجلات المبدعين، وكان خلالها أحد أهم رواد الفن والمسرح والسينما وأشهر الكوميديانات الذين كانت لهم مدرسة فنية ثرية تعلم منها مئات النجوم من كل الأجيال.
وكان الفنان الكبير نجيب الريحانى يتمتع بخفة ظل وحضور وذكاء فى حياته العادية، كما كان على المسرح وفى أعماله الكوميدية، وهو ما نتج عنه عشرات المواقف الطريفة التى رويت عنه، وسادت روح الدعابة والفكاهة الطريفة بينه وبين أعضاء فرقته التى كانت تضم عدداً من عمالقة الفن والكوميديا، ومنهم مارى منيب وزينات صدقى وسراج منير وميمى وزوز شكيب وعبدالفتاح القصرى وغيرهم.
ومن بين هذه المواقف حين كانت فرقة الريحانى تقدم رواية قديمة يتضمن المشهد الأول منها مائدة كبيرة يجلس عليها الفنانون المشاركون فى العرض، وكأنهم يتناولون الطعام، وكان الفصل الأخير من هذه المسرحية يتضمن مشهداً يتناول فيه المشاركون مشروباً مسموماً طبقاً لأحداث الرواية.
وكان الطعام الذى يقدم فى المشهد الأول من المسرحية عبارة عن إكسسوار من الجبس، وفى أحد الأيام أراد الفنانون المشاركون فى العرض أن يجبروا الريحانى أن يقدم لهم طعاماً حقيقياً خلال المشهد، فاشترطوا أنهم لن يصعدوا المسرح ولن يؤدوا أدوارهم إلا إذا اشترى الريحانى طعاما حقيقيا ليأكلوه، وأن يختاروا هم هذه الأصناف، وأبدى الريحانى موافقته.
وقال الفنان الكبير بخبث ورغبة فى التهرب بطريقته الفكاهية "طيب أنا موافق، وحيث إنكم عاوزينى أقدم لكم طعام حقيقى فى الفصل الأول، فأنا كمان لازم أسقيكم سم حقيقى فى الفصل الأخير، وتوافقوا على طلبى هوافق على طلبكم".
وهنا ضحك الفنانون المشاركون فى المسرحية وتنازلوا عن طلبهم بعد أن استطاع الريحانى التهرب من شراء الطعام بطريقة ذكية.
وتميز الريحانى بالتلقائية والصدق الشديد حتى أنه كان لا يخجل أبدًا من الاعتراف بأخطائه وعيوبه، وهو ما ظهر بشكل واضح فى مذكراته التى كتبها.
وكان من ضمن العجائب والغرائب التى كشفها الريحانى فى مذكراته أنه لم يكن يجهز الفصل الثالث من مسرحياته إلا فى آخر وقت وقبل العرض بساعات، وهو ما أوقعه فى مأزق ولكنه استطاع بحيلة ذكية أن يتخلص منه.
وقال الريحانى فى مذكراته إنه فى عام 1931 افتتح الموسم التمثيلى برواية " أموت فى كدة" وفى هذا العام بدأت الحكومة تهتم بالمسرح وتألفت فى وزارة المعارف لجنة من العلماء والأدباء للإشراف على ما يتم عرضه من مسرحيات وتخصيص إعانات تتناسب مع كل فرقة وما تقدمه للفن، وكان رئيس هذه اللجنة إسماعيل بك شرين مدير إدارة المطبوعات ، وكان من المعجبين بفن الريحانى.
وأوضح الفنان الكبير أنه وفرقته جهزوا وتدربوا على الفصل الأول والثانى من المسرحية، وألف هو وبديع خيرى الفصل الثالث فى آخر وقت، ولم يكن الممثلين قد تدربوا عليه أو حتى عرفوا أحداثه حتى جاءت اللجنة لمشاهدة العرض.
وأشار الريحانى إلى أن الفرقة مثلت الفصل الأول والثانى على مايرام، وكان الإعجاب بالمسرحية يبدو على وجوه أعضاء اللجنة، ولكن لم يكن الممثلين يعرفون ماذا سيفعلون فى الفصل الثالث، وكان من بين الفنانين المشاركين فى المسرحية الفنان حسين إبراهيم، وكان يمثل دور امرأة قبيحة ودميمة، وبمجرد فتح الستار فى الفصل الثالث ظهر حسين ابراهيم وهو يرتدى البرقع والملاية ويتمتختر على المسرح، وقبل ان ينطق أى كلمة سقط مغشياً عليه، وتقدم الجميع لإنقاذه بما فيهم أعضاء اللجنة.
واستكمل الضاحك الباكى تفاصيل خروجه من هذا المأزق مؤكداً أن أعضاء اللجنة خرج بعضهم للبحث عن طبيب لإسعاف الفنان المغمى عليه، وأشار رئيس اللجنة إلى أعضاء الفرقة بألا يرهقوا نفسهم فى تقديم الفصل الثالث من الرواية، بينما يحاول الريحانى أن يبدو وكأنه يحاول إفاقة حسين إبراهيم كى يستكمل فصول الرواية.
وهكذا استطاع الريحانى وفرقته الإفلات من لجنة المشاهدة التى أجازت الرواية بعد مشاهدة فصلين فقط تعاطفاً مع الفرقة ومع الفنان الذى أغمى عليه.
ورغم خفة ظله وبساطته كان الريحانى يضع نظاماً صارماً لفرقته يلتزم به كل أعضاء الفرقة وهو على رأسهم، وكانت مواعيد البروفات مقدسة لا يقبل فيها أى تأخير أو أعذار.
وذات مرة أراد أحد أعضاء فرقته وهو الفنان عبدالعزيز أحمد أن يتهرب من البروفة بعد أن أعطته فتاة ارتبط بها موعداً غرامياً، وفكر الفنان الشاب فى حيلة ليتهرب من البروفات، وبمجرد وصول الريحانى تظاهرعبدالعزيز أحمد بأنه يعانى من آلام ضرسه، وأخبر الريحانى بأنه يجب أن يذهب للطبيب لخلعه، وهنا فاجأه الريحانى متسائلاً: " انت هتخلعه فين"، وما كان من عبد العزيز إلا أن أجاب بسرعة :" عند دكتور فى محطة مصر"، فقال الريحانى " الدكتور فلان الفلانى" ، فأجاب عبدالعزيز:" أيوة تمام هو ده يا أستاذ"، فسمح له الريحانى بالانصراف قائلاً :" ده دكتور هايل بالشفا ".
وبسرعة غادر عبد العزيز أحمد المسرح متجهاً إلى محطة مصر ، وما أن وصل إلى باب الحديد ووقف دقائق فى انتظار فتاته حتى رأى الريحانى أمامه، وأخبره بأنه شعر بالضيق وترك البروفة لشريكه بديع خيرى وأراد أن يتمشى فى الهواء الطلق ، وسأله :" الله انت مروحتش للدكتور ، تعالى أنا هروح معاك"، وحاول عبدالعزيز أحمد التهرب ولكن صمم الريحانى أن يصطحبه لطبيب الأسنان، ولم يجد الفنان الشاب مهرباً سوى الذهاب معه حتى لا يشك فى أمره.
بعد أن وصلا لعيادة الطبيب ظل الفنان الشاب يفكر فى مهرب حتى لا يخلع ضرسه، وعندما جاء دوره للدخول للطبيب قال له الريحانى "هاستناك برة" ، ودخل عبد العزيز أحمد وحكى للطبيب حقيقة الأمر وأخبره أنه لا يعانى من أى آلام بضرسه وأنه فى مأزق ويريده أن يساعده فى الخروج منه، وأبدى استعداده أن يطلق بعض الصرخات حتى يصدق الريحانى أنه خلع ضرسه، وهنا ظن الطبيب أنه يريد أن يتهرب من خلع ضرسه ، فقال له :" بس كدة ، تمام اقعد وافتح بؤقك واصرخ"، وبعد أن فتح عبد العزيز أحمد فمه ليصرخ وجد الطبيب يضع يده فى فمه وبسرعة الساحر خلع أحد ضروسه .
وخرج الفنان الشاب من حجرة الطبيب وكاد أن يبكى أمام الريحانى الذى ضحك ضحكات المنتصر وقال له :" علشان تبطل تكدب، أنا كنت عارف إن حكاية ضرسك دى خدعة علشان تزوغ من البروفة" فاندهش عبدالعزيز أحمد وسأل الفنان الكبير :" عرفت إزاى"، فضحك الريحانى وأجاب :" عيب ده أنا نجيب أفهمها وهى طايرة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة