حلت الفتنة الكبرى على المسلمين في عهد الصحابة باغتيال ثالث الخلفاء الراشدين سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه في بيته يوم 17 يونيو من عام 656 ميلادية، وقد كانت حادثة الحوادث وعنها يقول طه حسين فى كتاب "الفتنة الكبرى على وبنوه" الصادر عن دار المعارف: واجه المسلمون إثر قتل عثمان، رحمه الله، مشكلتين من أخطر ما عرض لهم من المشكلات منذ خلافة أبى بكر، إحداهما تتصل بالخلافة نفسها، والأخرى تتصل بإقرار النظام وإنفاذ أمر الله فيمن قتل نفسًا بغير نفس أو فساد فى الأرض.
فقد أمسى المسلمون يوم قُتِل عثمان وليس لهم إمام يدبِّر لهم أمورهم ويحفظ عليهم نظامهم، وينفذ فيهم سلطانهم، ويقيم فيهم حدود الله، ويرعى بعد هذا كله أمور هذه الدولة الضخمة التى أقامها أبو بكر وعمر، وزادها عثمان سعة فى الشرق والغرب.
وواضح أن الذين قتلوا عثمان لم يكونوا هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان نفسه من المهاجرين والأنصار، وإنما كانوا شراذمَ من الجيوش المرابطة فى ثغور البصرة والكوفة ومصر ومن ثاب إليهم من الأعراب ومن أعانهم من أبناء المهاجرين، وكانت الجِلَّة من أصحاب النبى المهاجرين والأنصار قد وقفت مواقف ثلاثة مختلفة من هذه الفتنة: فأمَّا كثرتهم فكانت ترى وتُنكر وتَهمُّ بالإصلاح فلا تجد إليه سبيلًا فتسكت عن عجز وقصور لا عن تهاون وتقصير، وأما فريق منهم فقد شُبِّهت عليهم الأمور فآثروا العافية والتزموا الحيدة واعتزلوا الفتنة، وكانت قد وقعت إليهم أحاديث عن النبى تخوِّف من الفتنة وتأمر باجتنابها، فلزم بعضهم البيوت، وترك بعضهم المدينة مجانبًا للناس فارًّا بدينه إلى الله.
وفريق ثالث لم يذعنوا للعجز ولم يؤثروا الحيدة والاعتزال، وإنما سعوا بين عثمان وخصومه، بعضهم ينصح للخليفة ويحاول الإصلاح بينه وبين الثائرين، وبعضهم ينقم من الخليفة فيحرِّض عليه ويُغرى به، أو يقف موقفًا أقل ما يوصف به أنه لم يكن موقف المخذِّل للثائرين أو المنكر عليهم.
فلما قُتِل عثمان استرجع أكثر الصحابة لأنهم لم يستطيعوا أن ينصروه، وفكروا فى غد، وأرادوا أن يستقبلوا أمورهم وتهيئوا لما يُقبِل عليهم من الأحداث، وأمعن المعتزلون فى اعتزالهم وحمدوا الله على أنهم لم يشاركوا فى الإثم ولم يخبوا ولم يوضعوا فى الفتنة، وأما الآخرون فجعلوا يترقبون ما يصنع الناس، يفكرون فى أنفسهم أو يفكرون فيمن يلوذون به من الزعماء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة