يطرح أحدث كتب المؤلف البريطانى جيمى ساسكيند " الجمهورية الرقمية: في الحرية والديمقراطية في القرن الحادي والعشرين" قضية مهمة جدا وهي كيفية تعامل الحكومات مع شركات التكنولوجيا سواء من جهة التشريع أو من جهة تنظيم عملها في البلدان المختلفة بادئا مما قاله كارل ماركس "هناك شبح يطارد الديمقراطيات في العالم: شبح قوة التكنولوجيا".
ويخبرنا جيمى ساكيند عبر كتابه أنه لأكثر من عقدين من الزمن كانت الديمقراطيات في العالم خصوصا الغربية تعيش بسلام بينما كان عدد صغير من الشركات العالمية يسيطر على أقوى تكنولوجيا اتصالات منذ اختراع الطباعة، ثم قدمت الزلازل السياسية عام 2016 دعوة للاستيقاظ حيث أدرك هؤلاء العمالقة النائمون- يقصد الديمقراطيات الغربية- فجأة أن "مسارات التكنولوجيا لها طابع سياسي"، وأن هذه القوة غير الخاضعة للمساءلة كانت فضفاضة في عالمهم ، وأنهم إذا لم يكبحوها ، فقد ينتهي أمرهم.
وقد شهدت السنوات التي تلت تلك الصحوة القاسية نوبة من النشاط التشريعي والتنظيمي: دعاوى مكافحة الاحتكار، ومشروعات القوانين في الولايات المتحدة ، والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والتحقيقات في الكونجرس والبرلمان ، وما إلى ذلك، لتقف الحكومات على ما إذا كان هذا يؤدي إلى قيود فعالة على القوة التقنية، لكن السؤال ليس ما إذا كان يمكن السيطرة على عمالقة التكنولوجيا حيث يقول ساسكيند: "نحن نعلم أنهم يستطيعون ذلك لأن نظام شى جين بينج في الصين كان يقدم دروسًا متقدمة في كيفية القيام بذلك، السؤال بالنسبة لنا هو: هل تستطيع الديمقراطيات الليبرالية أن تفعل ذلك؟".
ويورد جيمى ساسكيند مجموعة من الأدلة الواقعية على سطوة التكنولوجيا وسيطرة الجمهوريات الرقمية وتأثيراتها على السياسة حيث يقول أنه عندما بدأ بها جو بايدن مسيرة الترشح لمنصب الرئيس طرح "عريضة تطالب فيسبوك بمنع المعلومات الخاطئة المدفوعة "من التأثير على الانتخابات" ، بينما كانت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب في مبنى الكابيتول هيل تطلب بحزم من المعلنين أن يخبروا شركات التكنولوجيا بضرورة الحد من المعلومات المضللة عبر الإنترنت".
يتطرق ساسكيند بعد ذلك في كتابه إلى ما أسماه "فردانية السوق"، وهي أيديولوجية ترى المجتمع "على أنه نتاج صفقة تعاقدية كبيرة بين كل فرد من أعضائه، ووسيلة للسعي وراء المنفعة الفردية دون السعي الشامل لتحقيق الصالح العام"، ويقول أيضا إن هذا ما يمكن تسميته النيوليبرالية، بالمعنى الذي يستخدمه جاري جيرستل في كتابه الجديد صعود وسقوط النظام النيوليبرالي.
يُعد كتاب سسكيند في الأساس عرضًا لكيفية تعامل أي شخص مع الجمهوريات الرقمية التى تنمو بسرعة قياسية مع مهمة الحد من قوة شركات التكنولوجيا التي تهيمن الآن على عالمنا المتصل بالشبكات ويتبع ذلك بتشخيص لكيفية سيطرة التقنيات الرقمية على سلوكنا، وتأطير تصورنا للعالم وزيادة تداخل المواد الرقمية في كل جانب من جوانب حياتنا.
كما يتناول ما يجب أن نفعله بشكل مختلف إذا كنا لا نرغب في العيش كعبيد لقوة التكنولوجيا مستعرضا في طريقه موضوعات مثل إدارة البيانات، وخوارزميات التعلم الآلي الغامضة، ومكافحة الاحتكار، وعمليات التضخيم الحسابي، وتحديات الرقمنة في عالم يتسارع إيقاعه بواسطة التكنولوجيا الرقمية.