أثارت إحدى الصفحات المجهولة المنسوبة للكاتب الصحفي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، جدل كبير على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، حيث ادعت أن "هيكل" أجبر صاحب نوبل في الأدب لعام 1988، على كتابة رواية "أولاد حارتنا"، واصفة موقف "محفوظ" بالجبان في مواجهة رفض الأزهر للرواية والتي واجهها هيكل بمفرده، بحسب وصف الصفحة.
وتعتبر رواية أولاد حارتنا أكثر روايات الأديب المصرى نجيب محفوظ إثارة للجدل، حيث أدى التفسير الدينى للرواية إلى محاولة وقف نشرها بجريدة الأهرام الحكومية فن نهاية خمسينيات القرن العشرين، فضلًا عن فتوى بتكفير الروائى وإهدار دمه من قبل مفتى الجماعة الإسلامية عمر عبد الرحمن عقب إعلان فوز محفوظ بنوبل فى الآداب.
لكن الأديب العالمى نجيب محفوظ، رد على ادعاءات المجهولة من قبل، وذلك خلال حواره المطول مع الناقد الكبير الراحل رجاء النقاش في كتابه "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ"، حيث تحدث محفوظ عن علاقة الأستاذ هيكل بالرواية وهل رفع عليه الأزهر دعوى قضائية، وطبيعة الخلاف وتدخل الزعيم عبد الناصر في الأمر.
وقال "محفوظ" في الكتاب سالف الذكر: "أولاد حارتنا هي أول رواية أكتبها بعد ثورة 23 يوليو 1952، وسبقتها خمس سنوات من الانقطاع التام عن الكتابة، وتحديد بين عامي 1952 و1957، وهى من أشق الفترات التي عشتها في حياتى وأصعبها على نفسى، والحقيقة أننى لم أعرف سببا واضحا لهذا الانقطاع، بعض الأصدقاء قالوا لى إنه نتيجة إجهاد حدث لى بعد كتابة (الثلاثية) والتي استغرقت في كتابتها 4 سنوات متصلة ابتداء من عام 1948 وحتى 1952، ولكن ربما كان السبب أن قيام ثورة 23 يوليو قتل الرغبة عندى في الكتابة، فقد كنت اعتبر ان الهدف الرئيسى لكتاباتى هو نقد المجتمع ودفعه للتغيير والتطوير وبعد لثورى واتجاهها لتحيق ما كنت أنادى به، كان السؤال الذى يلح علي: ما جدوى الكتابة حيئذ؟".
وتابع صاحب "الثلاثية" في حديثه: في 1957 شعرت بدبيب غريب يسرى في أوصالى، ووجدت نفسي منجذبا مرة أخرى نحو الأدب، وكانت فرحتى غامرة عندما أمسكت بالقلم مرة أخرى، ولم أصدق نفسي عندما جلست أمام الورق من جديد لأوعاد الكتابة، وكانت كل الأفكار المسيطرة علي في ذلك الوقت تميل ناحية الدين والتصوف والفلسفة، فجاءت فكرة رواية (أولاد حارتنا) لتحيى في داخلى الأديب الذى كنت ظننته قد مات".
ولفت "محفوظ" في حواره مع رجاء النقاش: "نشرت رواية (أولاد حارتنا) في جريدة الاهرام كحلقات مسلسلة، ولهذا النشر قصة أخرى، لأننى كنت أرفض من قبل أسلوب النشر المسلسل، ففي عام 1957 حصلت على جائزة الدولة، وبمناسبة حصولى على الجائزة أقام لى إحسان عبد القدوس حفلا في منزله القديم الكائن بشارع قصر العينى، ودعا إليه عدد كبيرا من الأدباء والصحفيين على رأسهم كامل الشناوى، وفى حفل التكريم، اقترب منى على حمدى الجمال مدير تحرير الأهرام، في ذلك الوقت، وقالى لى إنه يكلمنى باسم الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس التحرير، وأنه يريد منى رواية لتنشر في الجريدة على حلقات مسلسلة، ولم أكن بدأت في كتابة (أولاد حارتنا) وبالتالي اعتذرت بأنه ليس لدى الآن رواية جاهزة للنشر، ووعدت الجمال بأن أول رواية أكتبها سأرسل بها إلى الأهرام، وانتهيت من كتابة (أولاد حارتنا) في شهر أبريل سنة 1958، حيث استغرقت كتابتها سنة (نجيبية) حيث تبدأ سنة الكتابة عندى في شهر أكتوبر وتنتهى في أبريل، وتذكرت بعد أن انتهيت من الرواية الوعد الذى قطعته على نفسى، فاتصلت بالأستاذ على حمدى الجمال، واتفقنا على موعد، وذهبنا إليه بأوراق الرواية التي قرأها وأعجب بها، وصرح بنشرها دون ملاحظات، ويبدو أن الأستاذ الجمال قرأها على أنها رواية عادية من حارة مصرية يقع بها صراع بين مجموعة من الفتوات.
وتابع صاحب نوبل في الأدب لعام 1988: "وبدأت جريدة الأهرام في نشر الرواية، ومرت حلقاتها الأولى دون أن تظهر أي ملاحظات عليها، فالجزء الأول من الرواية لا يسبب أية مشاكل، ولكن الأزمة بدأت بعد أن نشرت الصفحة الأدبية بجريدة الجمهورية خبرا يلفت فيه كاتبه إلى أن الرواية المسلسلة التي تنشرها الأهرام فيها تعريض بالأنبياء، وبعد نشر الخبر المثير، بدأ البعض، ومن بينهم أدباء للأسف، في إرساء عرائض وشكاوى إلى النيابة العامة ومشيخة الأزهر، بل وإلى رئاسة الجمهورية، يطالبون بوقف نشر الرواية وتقديمى إلى المحاكمة، وبدأ هؤلاء يحرضون الأزهر ضدى على أساس أن الرواية ترمز إلى الأنبياء، وقد عرفت المعلومات عن طريق صديق لى هو الأستاذ مصطفى حبيب الذى كان يعمل سكرتيرا لشيخ الأزهر، وكان شقيقه يعمل وكيل نيابة، وهو الذى أخبرني أن أغلب العرائض التي وصلت إلى النيابة العامة أرسلها أدباء".
وأكمل الأديب العالمى نجيب محفوظ، حديثه: "وخدع رجال الأزهر في هذه الأزمة، لأنهم لم يحسنوا قراءة الرواية وفهمنها، بل إن بعضهم لم يقرأ رواية أدبية من قبل، وهنا فسروا رواية (أولاد حارتنا) تفسيرا دينيا، ورأوا أن شخصية أدهم في الرواية ترمز إلى آدم، وشخصية جبل هي موسى، وشخصية رفاعة هي المسيح، أما شخصية قاسم فهى شخصية محمد عليه الصلاة والسلام، وهكذا دافع عن الرواية الأستاذ محمد حسنين هيكل، ولولاه لكان توقف نشرها في الأهرام فورا.
وأكد "محفوظ": "أنه بعد انتهاء نشر رواية (أولاد حارتنا) في الأهرام، قابلنى الدكتور حسن صبرى الخولى الممثل الشخصى للرئيس عبد الناصر، وكان رجلا في غاية اللطف، وقال لى الخولى إنه لا يستطيع أن يسمح بنشر رواية (أولاد حارتنا) في مصر ككتاب، لأنه في حال صدورها ستحدث مشكلة كبيرة مع الأزهر، ولكن من الممكن أن تنشر الرواية خارج مصر، واقترح علي الخولي ترتيب لقاء مع شيوخ الأزهر لمناقشة الرواية، ورحبت بالاقتراح، فاتفق معى على أن أحضر إلى مكتبه في يوم محدد، وسوف يدعو هو شيوخ الأزهر لإجراء المناقشة معى، فلم أجد أحدا، وقال لى الخولى إنه سوف يتصل بى لإتمام اللقاء المقترح عندما يجتمعون، ومازالت في انتظار المقابلة منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، ولم تتم، وأذكر أنه في أحد اجتماعات المجلس الأعلى للثقافة جلس إلى جانبي شيخ الأزهر، ودار بيننا حديث ودى للغاية، لكنه كان متحفظا على قضية رواية (أولاد حارتنا).