تنضم كولومبيا إلى الموجة الجديدة من الحكومات اليسارية التى وصلت إلى السلطة فى أمريكا اللاتينية، والتى أُطلق عليها "المد الوردى"، حيث اتخذت القارة منعطفا يساريا آخر مع تنصيب جوستافو بيترو رئيسا لكولومبيا، ليدخل التاريخ كأول رئيس يسارى فى البلاد يُنتخب لهذا المنصب، وهو ما سيؤدى بطبيعة الحال إلى تغيير فى السياسة الداخلية، وأيضا فى ميزان القوى فى أمريكا اللاتينية.
وأدى الرئيس الكولومبى المنتخب جوستافو بيترو اليمين الدستورية الأحد ليصبح أول رئيس يسارى فى تاريخ كولومبيا، وسوف تتولى فرانسيا ماركيز منصب نائب الرئيس، حسبما قالت صحيفة "النويبو تريبونا".
ووعد بترو فى بوجوتا ببناء ديمقراطية جديدة "متعددة الألوان والأشكال" أى انها تعتمد على التعددية، وتتعاون فيها الحركات الاجتماعية وأكد أن "هناك حاجة إلى المزيد والمزيد من التنظيم الشعبى فى جميع أنحاء كولومبيا".
وقال بيترو فى بيان: "إن رئيس الجمهورية يدعوهم إلى تنظيم أنفسهم"، وقال إن البلد لم يسبق لها الخضوع للديمقراطية، وبهذا المعنى، فى مواجهة المنظمات الاجتماعية، التى كانت هى التى خرجت بأغلبية للتصويت لمن سيكون أول رئيس يسارى لكولومبيا، فقد تم تعريفها بالمعنى الدقيق للكلمة: الشخص الذى يقوم بالمهمة وليس من يرسلها.
وفاز جوستافو بيترو وائتلافه اليسارى الميثاق التاريخى فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التى أجرتها كولومبيا فى 20 يونيو، حيث فاز على رجل الأعمال رودولفو هيرنانديز بفارق 700 ألف صوت.
ويبلغ بيترو من العمر 62 عامًا، وهو خبير اقتصادى، وفى برنامجه الانتخابى يقترح إصلاحًا زراعيًا، والحد الأدنى للدخل، وحل شرطة مكافحة الشغب، من بين تغييرات أخرى.
كما فاز مرشحو يسار الوسط فى الانتخابات الرئاسية فى الأرجنتين وبوليفيا وتشيلى والمكسيك وبيرو، وهو ما يجعل صعود اليسار تتجلى فى أكثر صورها إثارة لقلق الولايات المتحدة الامريكية التى ترى حديقة خلفية آخرى يصعد إليها اليسار، وذلك فى وجود رئيس يسارى للمرة الأولى منذ 40 عاما فى المكسيك.
وقال جان بويستن، خبير السياسة والباحث فى معهد أمريكا اللاتينية "هناك موجة جديدة من اليسار آخذة فى الظهور فى المنطقة، و على عكس الموجة الأولى، بين عامى 2000 و2010، ويبدو أن هذه الموجة أقوى، وذلك لوجود الآن تحديات ".
وأشار الخبير إلى أن أحد الأسباب الأساسية لظهور وفوز اليسار فى بعض الدول بأمريكا اللاتينية مثل تشيلى وهندوراس وكولومبيا، " هو سوء إدارة الوباء والمعاناة الاقتصادية التى تمر بها القارة اللاتينية وبالتالى زيادة عدم المساواة".
فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، فاز المرشحون اليساريون بانتخابات رئاسية حاسمة، مثل هوجو شافيز فى فنزويلا، ولولا دا سيلفا فى البرازيل، و نيستور كيرشنر فى الأرجنتين، و ميشيل باتشيليت فى تشيلي، وخوسيه موخيكا فى أوروجواى وإيفو موراليس فى بوليفيا، ورافائيل كوريا، فى الإكوادور، من بين آخرين.
وأشارت صحيفة "انفوباى" الأرجنتين إلى أن البرازيل هى الانتصار التالى المتوقع لليسار، وذلك حال فوز الرئيس الأسبق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا فى انتخابات الرئاسة المقررة فى أكتوبر القادم.
وتعتبر هذه التغييرات من شأنها أن تقوى الكتلة اليسارية فى المنطقة وهى التي، بطبيعة الحال، لها وجهة نظر عدائية ضد الولايات المتحدة.
وتعتبر سياسة واشنطن العامل الأول لصعود اليسار فى أمريكا اللاتينية، حيث إن مواطنى وساسة الدول اللاتينية بدأوا يدركون أن اهتمامات الجار الأكبر فى قارتهم باتت تقتصر على ما يهم المصالح الامريكية وليس المصالح المشتركة، فاهتمامات واشنطن تكاد تتركز فى مكافحة المخدرات، وتأمين الممرات المائية الاستراتيجية لسفنها وناقلاتها، ووارداتها من المعادن والثروات الطبيعية، وحماية وتعزيز مصالح الشركات الأمريكية، ومواجهة أى توجهات يسارية تظهر فى دول القارة تراها واشنطن.
وكانت تشيلى احتفلت بفوز مرشح أقصى اليسار جابريال بوريك، البالغ من العمر 35 عاما فقط، انتخب مرشح اليسار التقدمى جابريال بوريك رسميا، ليحقق بذلك الائتلاف اليسارى الذى ينتمى إليه الحزب الشيوعى انتصارا ساحقا فى هذه المواجهة الانتخابية غير المسبوقة منذ العودة إلى الديمقراطية فى عام 1990 بين مرشحين لديهما مشاريع اجتماعية متعارضة تماما.
وحصل المرشح الشاب جابريال بوريك على 56% من الأصوات مقابل 44% لمنافسه اليمينى المتطرف خوسيه أنطونيو كاست بعد فرز أكثر من 99% من مراكز الاقتراع.
وفى هندوراس، فازت زيومارا كاسترو فى انتخابات هندوراس الرئاسية، لتصبح أول امرأة تتولى الرئاسة فى البلاد، وتنهى 12 عاما من حكم الحزب الوطنى الذى يرتبط بفضائح خاصة بالجريمة المنظمة وتهريب الكوكايين.
وأشارت صحيفة "الباييس" الإسبانية، إلى أن فوز كاسترو مدعوم بإقبال تاريخى تجاوز 68%، وهو رقم مرتفع بشكل خاص فى حالة الركود التى تشهدها الانتخابات، وعادت كاسترو التى تبلغ من العمر 62 عاما إلى السلطة كرئيس، بعد الإطاحة بها كسيدة أولى.
وقالت كاسترو أمام مؤيدها بعد فوزها "12 عاما..12 عاما "، مشيرة إلى أنه فى يونيو 2009 أطيح بزوجها مانويل زيلايا بانقلاب أطاح به من السلطة، وقالت "رحلة طويلة لليسار الهندوراسى فى محاولة لاستعادة الرئاسة.
فمنذ الانقلاب الذى أطاح الرئيس اليسارى مانويل زيلايا عام 2009، حكم هندوراس الرئيس المنتهية ولايته خوان أورلاندو هيرنانديز، الذى تشتبه الولايات المتحدة بتورطه فى تجارة المخدرات.
زيومارا كاسترو زوجة الرئيس السابق ميل زيلايا، الذى أطاحه انقلاب فى العام 2009، زعيمة حزب "ليبرى" اليسارى، هى المرشحة التى كانت بالفعل الأوفر حظا، وتعتبر هى السياسية الأكثر تأثيرا فى اليسار الهندوراس.
ويولى قادة الجيل الجديد من اليسار اللاتينى، اهتماما أكبر بقضايا حماية البيئة ومكافحة التغير المناخى ودعم الطاقة النظيفة بالإضافة إلى الاهتمام بالأقليات، مما يجذب المزيد من الدعم من الناخبين الشباب.
وأظهرت بيانات البنك الدولى أن النمو الاقتصادى السنوى من 2013 إلى 2019 كان 1.2% فى المتوسط للمنطقة. وقدر صندوق النقد الدولى أن دخل الفرد فى المنطقة بحلول عام 2025 سيكون هو نفسه فى عام 2015.
وقد انخفض الفقر من 45.6% فى عام 2003 إلى 27.8% فى عام 2014، لكنه ارتفع منذ ذلك الحين حيث وصل إلى 32.1% فى عام 2021. وفقًا للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى التابعة للأمم المتحدة. بينما كان الفقر المدقع فى عام 2021، عند 13.8%، هو الأعلى منذ 27 عامًا، ولذلك فإن أمريكا اللاتينية تعتبر أن اليسار هو الأفضل لديهم بسبب الازمات الاقتصادية التى يعيشونها خلال تولى اليمين منصب الرئيس.