واحدة من أبرز الألغاز التاريخية، هي مقبرة القائد العربى عمرو بن العاص، فاتح مصر، فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه عام 20هـ/ 641م، وبدأت منذ ذلك التاريخ مرحلة هامة من مراحل التاريخ السياسى لمصر الإسلامية اضطلعت خلالها بدور مهم عبر مراحل التاريخ الإسلامى التى امتدت عبر عدة دول وامبراطوريات إسلامية.
وعمر بن العاص، هوأبو عبد الله، ابن سيد بني سهم من قريش العاص بن وائل السهمي، أرسلته قريش قبل إسلامه إلى الحبشة ليطلب من النجاشي تسليمه المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة فراراً من الكفار وإعادتهم إلى مكة لمحاسبتهم وردهم عن دينهم الجديد فلم يستجب له النجاشى، وبعد إسلامه فتح مصر بعد أن قهر الروم وأصبح والياً عليها بعد أن عينه عمر بن الخطاب، وظل بها حتى وفاته.
والثابت تاريخيا أن عمرو بن العاص، دفن في مصر، ويقال إنه دُفن -رضيَ الله عنه- في جبل المقطم من ناحية الفجّ، حيث كان النّاس يمرّون به عند ذهابهم إلى بلاد الحجاز، وتجدر الإشارة إلى أنّ جبل المقطم قد شرّفه الله -تعالى- بأن جعل غراسه أهل الجنّة؛ فقد دُفن فيه عدد من الصّحابة، ومن آل البيت، وغيرهم من المسلمين، كما أنّه كان قبل ذلك يتميّز بكثرة أنهاره، وأشجاره، ونباته.
وبحسب كتاب "تاريخ عمر بن العاص" للدكتور حسن إبراهيم حسن، فإن العديد من المؤرخين العرب من بينهم أبو المحاسن وابن قتيبة وابن الزيات فى كتابه "الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة" والدميرى فى كتابه "حياة الحيوان: باب وعل" على أن عمرو بن العاص دفن بمصر وبالتجديد بسفح جبل المقطم فى ناحية الفخ وكان طريق الناس إلى الحجاز.
وقد اختلف فى قبره البعض، فقال صاحب كتاب "المزارات المصرية" أن قبر عمرو بن العاص غربى قبل الإمام الشافعى والموضع به يسمى مقابر قريش، وقال غيره هو غربى الخندق وشرقى مشهد السيدة آمنة ابنه موسى الكاظم.
بينما يرى المؤلف أن موضع قبر عمرو بن العاص، لابد أن يكون قد لعبت به يد النسيان منذ قرون طويلة، فظل التاريخ فى سكون تام بحيث يصعب كشف اللثام عن حقيقة هذا الموضوع لاقتلاع كثير من أحجار المقطم، فلم يعد لموضعه أثر تقريبا، بالإضافة إلى عمرو نفسه كان يقول حين حضره الموت: "وسنوا على التراب سنا، ولا تجعلوا فى قبرى خشبة ولا حجرا" مما يدل على أن قبر عمرو لم يعد له أثر.
ويوضح كتاب حاشية الجمل على شرح المنهج 1-8 ج3" تأليف سليمان بن عمر بن منصور العجيلي، إن عمرو بن العاص، كان ممكن دفنوا فى سفح المقطم مع بعض الصحابى الذين دفنوا فى مصر، بناحية السفح، حيث كان طريق الناس يومئذ للحجاز، وهو احب أن يدعو له كل ما يمر بهذا المكان، ومن هؤلاء الذين قد يكونوا دفنوا فى مصر عبدالله بن الحارث وحذافة السهمى وأبو بصرة الغفارى وعقبة بن عامر الجهنى.
ويتفق مع الرواية سالفة الذكر، المؤرخ ابن تغر بردى فى كتابه "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 1-17 مع الفهارس ج1" أن البقعة التى دفن بها عقبة بن عامر، بها أيضا عمرو بن العاص وقبر أبى بصرة الغفارى، حيث تحويهم القبة التى هدمها صلاح الدين الأيوبى ثم بناها البناء المعهود الآن، هو قبة وضريح عقبة بن عامر بالمقطم.
بينما يذكر كتاب "المستدرك على الصحيحين 1-5 مع الفهارس ج3" تأليف الحاكم النيسابورى، إن عمرو بن العاص مات يوم عيد الفطر وقد بلغ أربعا وتسعين سنة، وصلى عليه ابنه عبدالله، ودفن فى المقطم فى سنة 43 هـ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة