"كل دول العالم فى يد الله، لكن مصر فى قلب الله. لذا فأنا مطمئن عليها"، بهذه الكلمات البليغة صدر قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية شهادته على سبعين عامًا على الأرض، منها 34 عامًا راهبًا، و25 عامًا أسقفًا، وعشر سنوات فى منصب البابا رقم 118 للأقباط فى مصر.
وحمل الكتاب الذى صدر عن الدار المصرية اللبنانية عنوان "سنوات من المحبة لله والوطن" وحررته الإعلامية شيرين عبد الخالق، فى أكثر من ثلاثمائة صفحة، اختتمت بصور نادرة لقداسة البابا فى مراحل مختلفة من حياته، ومع قادة دول العالم، وكتب مقدمة الكتاب المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية السابق.
وجاء الكتاب لينفرد بتسجيل وقائع شهدتها الكنيسة المصرية فى أعقاب أحداث يناير 2011، ومخاوف الأقباط ومعاناتهم فى ظل هيمنة جماعة الإخوان على الشارع السياسي، مستعرضًا كواليس المواقف العصيبة للكنيسة بعد ثورة 30 يونيو 2013 والاستهداف الممنهج من جانب جماعة الإخوان وأنصارها للكنائس والأقباط.
لقد اختير قداسة البابا تواضروس فى قرعة هيكلية فى نوفمبر 2012 ليصدر الرئيس محمد مرسى قرارًا شكليًّا باعتماد نتيجة القرعة واختياره بابا للكنيسة، وشكره قداسة البابا على قراره، ورد الرئيس مرسي، بأنه اختيار الرب، لكنه تجاهل فيما بعد شكاوى ومخاوف الأقباط من سوء المعاملة والتربص. وأجرت جريدة حزب الحرية والعدالة حوارًا مع قداسة البابا سألته فيه عما يطلبه من الحزب فقال: ليست لى مطالب سوى الحرية والعدالة.
وحاولت جماعة الإخوان التودد الظاهرى للكنيسة وطلب السفير محمد رفاعة الطهطاوى رئيس ديوان رئيس الجمهورية من قداسة البابا أن يتم تصويره مع الرئيس لتصدير صورة جيدة للرأى العام العالمي، لكن قداسة البابا اعتذر وأبلغ الرجل بأنه ليس ديكورًا.
ومع الغليان الشعبى ضد الإخوان اتفق قداسة البابا مع شيخ الأزهر على زيارة الرئيس مرسى لنقل حالة الشارع له، لكنهما فوجئا به فى واد آخر، وسألاه ماذا سيحدث بعد 30 يونيو، فأجاب ببرود: سيأتى 1 يوليو و2 يوليو و3 يوليو.
البابا
ويحكى الكتاب كيف تلقى قداسة البابا يوم الأربعاء 3 يوليو 2013 اتصالًا من القيادة العامة للقوات المسلحة ليشارك فى اجتماع تاريخى بحضور شيخ الأزهر وممثلين عن رجال السياسة والشباب، وكيف نقلته طائرة هيلكوبتر من برج العرب إلى القاهرة، ثم تناقش الحضور فيما ينبغى فعله وتم التوافق على صيغة البيان، والذى راجعه لغويًّا شيخ الأزهر.
ويسرد قداسة البابا ما تعرضت له الكنائس فى مصر من اعتداءات عقب الثورة، وهو ما دفعه أن يخرج للرأى العام ليقول فى ثبات "لو حرقوا الكنائس، سنصلى فى المساجد، ولو حرقوا المساجد سنصلى فى الشوارع".
مقدمة
ووقفت الكنيسة المصرية بصلف وصلابة أمام البيانات المغلوطة فى الإعلام الغربي، وأكدت أن يد الإرهاب الآثمة تعتدى على مصر كلها مسلمين وأقباط، وأن الإسلام بريء من هذه الاعتداءات الدموية. ثم جاءت زيارات الرئيس السيسى للكاتدرائية المصرية ليحتفل مع الأقباط بأعيادهم ليؤكد أنه والد للمصريين جميعًا، ثُم أعلن عن رعاية الدولة لبناء أكبر كنيسة فى مصر بالعاصمة الإدارية الجديدة.
ويزخر الكتاب بمواقف عديدة لقداسة البابا مع ملوك ورؤساء دول العالم، ومنها مثلًا لقاء مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، سألت خلاله البابا عن تعرض المسيحيين فى مصر للاضطهاد وقالت له: "أنا مثلًا درست الفيزياء. فهل يسمح لك فى بلادكم كمسيحى أن تدرسها؟" وأجابها قداسة البابا "طبعًا. أنا دارس للصيدلة فى بلادي."
وفى لقاء لقداسته مع الرئيس الروسى بوتين، فوجئ به يسأله عن أكبر مشكلة تواجه مصر، فأجابه أبعد تفكير: التعليم. وأضاف أنه يتمنى أن يرتقى التعليم فى مصر.
جانب من المقدمة
كما كانت من اللقاءات الفارقة لقاء قداسة للبابا بالرئيس الفلسطينى محمود عباس الذى دعاه لزيارة فلسطين، وعندما وجده مترددًا قال له "إن هذه الزيارة للسجين وليس للسجان" وحانت الفرصة بالفعل عندما تنيح مطران القدس وكتب فى وصيته أن يدفن هناك، وسافر البابا للصلاة عليه.
فضلًا عن ذلك، يروى الكتاب لأول مرة تفاصيل اختيار البابا لمنصبه من خلال نظام كنسى مدهش يقوم على الانتخاب ثم إجراء القرعة بواسطة صبى بأوصاف محددة، وكان من الغريب أن يتلقى قداسة البابا عدة نبوءات باختياره قبل عملية الاقتراع، رغم كونه بعيدًا عن الإعلام وغير راغب فى المناصب. والغريب فيما حدث أن اختيار قداسته توافق مع يوم ميلاده فى 4 نوفمبر، وهو اليوم ذاته الذى تمت فيه خطبة والديه.
لقد ولد قداسة البابا فى مدينة المنصورة فى سنة 1952، وكان ابنا لأسرة متوسطة تتكون من خمسة أفراد، إذ كانت له شقيقتان. وكان رقم 77 من الأرقام الغريبة جدًّا فى حياته إذ حصل فى الشهادة الابتدائية على 77 فى المائة، ثم حصل فى الإعدادية على الدرجة ذاتها، وكذلك فى الثانوية العامة، ليلتحق بكلية الصيدلة، ثم يسافر إلى لندن لاستكمال دراسته، ثُم يعود لينجذب رويدًا إلى الرهبنة، ويقرر اختيارها طريقًا أبديًّا.
تابع المقدمة
رؤية
شرين
كل دول
وطن