الحضارة المصرية القديمة تظل عبر العصور جاذبة لأنظار واهتمام العالم، ومن المعالم الأثرية التى تتميز بطابعها الخاص معبد دندرة، والذى احتل مساحة كبيرة خلال اليومين الماضيين، من الحديث عقب تعليق الملياردير الشهير إيلون ماسك على الحضارة المصرية القديمة وإعجابه بها، في تغريدة على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، حيث أبدى إعجابه بمقطع فيديو لـ معبد دندرة بمدينة قنا، وهو ما أشعل مواقع التواصل في مصر والعالم حيث أصبح الأمر ضمن المواضيع الأكثر تداولا في بين نشطاء مواقع التواصل، إذ لاقى تعليق مالك تويتر رواجًا واسعًا، ونال إعجاب آلاف الأشخاص، واعتبره المصريون احتفاء وإعجابًا بحضارة مصر القديمة.
وعندما نتحدث عن معبد دندرة لا يمكن أن نغفل "دائرة البروج السماوية" أو "القبة السماوية" وهى لوحة الزودياك التى سرقت من قبل بطلها فرنسى يسمى سابستيان لويس سولينية، وكان أحد أبناء عضو مجلس النواب الفرنسى آنذاك، قام بنشر دائرة الأبراج السماوية من سقف معبد دندرة ونقلها إلى باريس.
وعن ذلك تحدث الدكتور عاطف معتمد، أستاذ الجغرافيا الطبيعية بكلية الأداب جامعة القاهرة، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى، ساردًا موقفًا حدث معه خلال الأيام الماضية بشأن تلك اللوحقة فيقول : دندرة غرب نهر النيل قبالة قنا، البلدة قديمة من أيام قدماء المصريين وبها آثار مدينة عريقة وتضم أحد أعظم معابد العالم الذي يحمل اسم المعبودة الشهيرة "حتحور" التي تجسد كل صفات القوة والجمال والرعاية والخصب.
دائرة البروج السماوية
تجري دوما في المعبد عمليات ترميم لاستعادة الألوان الأصلية وخاصة اللون الفيروزي البهيج الذي يزين رؤوس الأعمدة التي تحمل رأس حتحور البقرة الجميلة.
وقد أرسل لي قبل يومين أحد الأصدقاء في مصر صورا للمعبد وفيه هذه الألوان الفيروزية البهيجة، وحين أعربت له عن أن هذا الجمال يخفي قصة مثيرة عن انتزاع أهم أثر من المعبد واستبداله بنسخة فقيرة من الجبس أبدى دهشته رغم أنه زار بنفسه المكان ولم يحدثه أحد عن ذلك.
ويوضح الدكتور عاطف معتمد، أن القصة تتعلق بأنه بموازاة هذا الجمال من الترميم ذي الألوان الفيروزية هناك تجاهل لانتزاع دائرة البروج السماوية من معبد دندرة ونقلها لفرنسا بعد أن تأكد للعلماء قبل 200 سنة أنها مفتاح لفك رموز علم الفلك عند قدماء المصريين بل وإعادة كتابة تاريخ الإنسانية وتفنيد ونقد الرؤى التي طرحتها الكنيسة الفرنسية عن عمر الحياة وتاريخ الإنسان.
ويستكمل الدكتور عاطف معتمد حديثه: دائرة البروج السماوية تعد أهم كنز علمي وأثري في المعبد وقد تعرف عليها الفرنسيون أثناء الحملة الفرنسية على مصر خلال اقتحامهم الصعيد في عام 1799.
يقول متحف اللوفر إن الفرنسيين "اكتشفوا" دائرة البروج السماوية وقدموها للعالم، وفي الحقيقة لا يمكن لأي زائر أو رحالة أن يصل لهذه القطعة الأثرية المعلقة في سقف المعبد بالطابق العلوي في غرفة محكمة الإغلاق إلا بدليل خبير عليم من أهل المكان ممن عاشوا وخبروا دهاليز المعبد.
خلال فترتهم القصيرة في مصر التي لم تبلغ أربع سنوات وما أحاط بهم من تحديات الظروف الحربية والصراع مع الانجليز من ناحية والمماليك من ناحية ثانية قام الرسامون المرافقون لحملة نابليون بنقل حرفي - أقرب في دقته لكاميرا التصوير الحديثة- لكل ما تقع عليه أعينهم من الآثار المصرية. ومن بين ما تم تصويره بدقة دائرة البروج السماوية في معبد دندرة.
ومن المدهش أن الشاب الذي لم يغادر باريس ولم يشترك في الحملة – فرانسوا شاملبيون – عكف على دراسة الصورة التي نقلها رسامو الحملة لسقف معبد دندرة واستخرج منها افتراضات تأريخية أثارت نقاشا وجدلا واسعا تسبب في إعادة ترتيب التأريخ الحضاري.
ورغم أن الحملة الفرنسية خرجت من مصر مهزومة، ورغم هزيمة نابليون في أوروبا وعودة الملك لويس الثامن عشر إلا أن الحكومة الفرنسية واصلت اهتمامها بنتائج الحملة الفرنسية وسعت إلى الحصول على دائرة البروج بصخرها الأصلي ونقشها التاريخي وليس مجرد رسم دقيق لها.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي ينتزع فيها الجنود الفرنسيون الآثار المصرية، فأهم أثر من العهد الفارسي في منطقة برزخ السويس انتزعه أحد علماء الحملة ووثق ذلك في بحث من بحوث موسوعة وصف مصر وطالب بلاده بأن ترسل من ينتزع بقية الأثر الفارسي من مصر حتى يمكن دراسته بوضوح والذي يعود إلى عصر داريا الأول.
لا عجب في ذلك، فكتاب وصف مصر يصور الشعب المصري شعبا من البائسين الفقراء يحكمهم مجموعة من اللصوص المماليك، ولا عناية لهذا الشعب بالآثار ولا علاقة له بتعقيداتها العلمية.
بعد خروج الحملة الفرنسية كان قد استولي على الحكم في مصر محمد علي باشا واستطاعت فرنسا في عام 1820 أن تحصل منه على تصريح قانوني رسمي بانتزاع دائرة البروج السماوية من معبد دندرة.
تم استخدام البارود والمناشير في تقطيع سقف معب دندرة لانتزاع دائرة البروج السماوية التي فكت شفرة علم الفلك القديم، فنقلها العمال المصريون في خدمة الفرنسيين وبأوامر محمد علي باشا عبر المراكب في النيل إلى الإسكندرية ومنها أبحرت إلى مارسيليا فوصلت الأراضي الفرنسية في 9 سبتمبر 1821.
وقد أهديت للملك لويس الثامن عشر الذي وضعها بداية في متحف اللوفر ثم أمر بوضعها في المكتبة الملكية ثم انتقلت إلى متحف اللوفر بشكل نهائي منذ عام 1919.
وأكد الدكتور عاطف معتمد انه أرسل رابط صفحة دائرة البروج في دندرة في متحف اللوفر وفيها كل البيانات التي جاءت في سطوري السابقة لصديقه الذي قال لي إنه رأى مؤخرا بأم عينيه دائرة البروج في سقف معبد دندرة في قنا وقلت له إن المعلقة حاليا في سقف المعبد هي نسخة بالجبس تقلد الأصل الذي وصل باريس في يناير عام 1822.