ألقى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف خطبة الجمعة اليوم، بمسجد الشرطة بالقاهرة الجديدة بمناسبة احتفال وزارة الداخلية بعيد الشرطة، بعنوان: "الوطنية بين الحقيقة والادعاء"، بحضور اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، والدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، واللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة، وعدد من قيادات القوات المسلحة، وأعضاء المجلس الأعلى للشرطة، وعدد من قيادات وضباط وزارة الداخلية والقوات المسلحة.
وفى خطبته، أكد وزير الأوقاف أنه من حسن الطالع أن تتوافق جمعتنا هذه واحتفالنا هذا مع أول جمعة من شهر رجب، حيث يقول سبحانه: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إنَّ الزَّمانَ قد استدار كهيئتِه يومَ خَلَق اللهُ السَّمواتِ والأرضَ، السَّنةُ اثنا عَشَرَ شَهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعْدةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذى بين جُمادى وشَعبانَ"، وإذا أهل هذا الشهر الكريم هبت معه نسائم الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك، مشيرًا إلى أن الصالحين كانوا إذا أهل هلال شهر رجب عليهم قالوا: اللهم بارك لنا فى رجب وشعبان وبلغنا رمضان، غير أن النبى (صلى الله عليه وسلم) علَّم أصحابه مفهومًا أوسع للعبادة، وبيَّن لهم أن الثواب لا ينحصر فقط فى أداء العبادات المحضة من صلاة وصيام وقيام، فقال (صلى الله عليه وسلم): "أَلا أُنَبِّئُكُمْ بليلةٍ أفضلَ من ليلةِ القدرِ ؟ حارِسُ الحَرَسِ فى أرضِ خَوْفٍ لعلَّهُ ألَّا يرجعَ إلى أهلِهِ"، جنديًّا أو شرطيًّا أو مرابطًا فى مكان خوف يقف ثابتًا والمخاوف تحيط به من كل جانب يقف ثابتًا لا يهتز ولا يتزعزع ولا يتردد، على حد قول المرأة الأعرابية من عبد القيس وقد بلغها استشهاد أبنائها:
أبوا أن يفروا والقنا فى نحورهم
ولم يرتقوا من خشية الموت سلما
ولو أنهم فروا لكانوا أعزة
ولكن رأوا صبرًا على الموت أكرما
وهذا ما شاهدناه فى الفيلم التسجيلى للعقيد المحترم طارق عبد الهادى عندما استشهد اثنان من زملائه أمام عينيه، فلم يهن ولم يتزعزع ولم يتردد، بل أقدم بفدائية وشجاعة وبطولة معهودة فى شرطتنا الوطنية وقواتنا المسلحة الباسلة، هؤلاء يدركون معنى قول شوقي:
وللأوطانِ فى دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يدٌ سَلَفَت ودَيْنٌ مُستحَقُّ
وبين وزير الأوقاف أن أمر الدول أمر عظيم، وأن مصالحها مصالح جليلة، لا يمكن أن يقوم بها فرد واحد أو مؤسسة واحدة أو حزب أو جماعة أو قبيلة، فالوطن بجميع أبنائه ولجميع أبنائه، ولذا نقول لمن يتساءل ماذا أعطانا الوطن؟! إن الوطن أعطى ويعطى أبناءه الكثير، ماذا لو اختل الأمن فى المجتمع؟ ماذا لو أُطلق اللصوص والمجرمون بين الناس؟ ماذا لو تُركت الساحة لتجار المخدرات وأصحاب الأهواء؟ الوطن هو نحن جميعًا، بنا جميعًا ولنا جميعًا، جيشًا وشرطة، أطباء ومهندسين، مهنيين وحرفيين، أئمة ومعلمين، زراعًا وصناعًا، على كل واحد منا أن يؤدى واجبه.
كما أكد وزير الأوقاف أن المعركة المقبلة هى معركة وعى وفهم، حيث حاولت الجماعات المتطرفة أن تفرض أيديولوجيتها وأفهامها الخاطئة وأن تضيق واسعًا، ومن المعانى التى حرفتها هذه الجماعات معنى الجهاد، حيث ضيقت واسعًا وانحرفت به إلى ما يخدم أيديولوجيتها ومصالحها، فى حين أن الجهاد مفهوم واسع يمكن أن يكون بالكلمة الطيبة، بالحكمة والموعظة الحسنة، يقول رب العزة لنبينا (صلى الله عليه وسلم) فى شأن القرآن الكريم: "وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا".
وقد أكد وزير الأوقاف أن كل ما تقوم به مصالح الأوطان هو من صميم مقاصد الأديان، وذروة الجهاد هو الجهاد فى سبيل الوطن، سواء أكان دفاعًا عن حدوده أم دفاعًا عن أمنه أم قضاء لمصالحه، وأن ما تقوم به الأجهزة الشرطية المتخصصة فى مجال الإطفاء وفى مجال الإنقاذ وفى مجال مواجهة الجريمة المنظمة واللصوص وفى مواجهة الهجرة غير الشرعية بما تودى به من حياة بعض شبابنا الذين يقعون فريسة لجماعات تهريب البشر، وما تقوم به فى مجال مواجهة تجار السموم والمخدرات وجماعات غسيل الأموال وجماعات التزييف والتزوير، وقد يغفل كثير من الناس عن ما تقوم به جماعات الإطفاء وجماعات الإنقاذ النهرى وجماعات إبطال مفعول المتفجرات هو عين الجهاد الحقيقي.
لقد شاهدنا فى احتفالات الشرطة بعيدها الوطنى ما قام به الضباط الثلاثة بين شهيدين ومصاب فى إبطال المفرقعات حتى يفدوا حياة الناس، وإذا كان ديننا قد علمنا أن الغريق الذى يموت غرقًا شهيد، ومن يموت حرقًا شهيد، فما بالكم بمن يستشهد لإنقاذ الآخرين من الحريق أو الغرق؟! فمواجهة الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وجماعات التزييف عمل دينى ووطنى عظيم، والعاملون فى مجال الإطفاء والإنقاذ على ثغر عظيم، ويؤدون عملًا جليلًا دينيًّا ووطنيًّا.
واختتم وزير الأوقاف: "هذا هو الجهاد الحقيقي، هذا هو العطاء الحقيقي، وهذه البطولات هى التى يجب أن نسلط عليها الضوء، فالوطنية الحقيقية ليست كلمات، الوطنية الحقيقية ولاء وانتماء وتضحية وفداء وعطاء وجهد وعرق، وأعلاها التضحية بالنفس، ونقول هاهنا بفضل الله (عز وجل) ها هى شرطتنا الوطنية تقف عينا ساهرة على أمن هذا الوطن الداخلي، وها هى قواتنا المسلحة الباسلة تقف عينا ساهرة على أمن حدوده كلاهما يد تبنى وتعمر وأخرى تحمى وتحرس، فالجيش والشرطة والشعب يتكاملون فى خدمة الوطن وحمايته"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة