مؤشر الفتوى يرصد دور الفتاوى الرسمية فى التصدى للمعاملات المالية الهادمة لاقتصادات الدول.. الاحتكار بلغ 20% من فتاوى المؤسسات الرسمية.. ظاهرة المستريح 18%.. غسيل الأموال 13%.. والتسويق الشبكى 9%

الأحد، 05 فبراير 2023 06:00 م
مؤشر الفتوى يرصد دور الفتاوى الرسمية فى التصدى للمعاملات المالية الهادمة لاقتصادات الدول.. الاحتكار بلغ 20% من فتاوى المؤسسات الرسمية.. ظاهرة المستريح 18%.. غسيل الأموال 13%.. والتسويق الشبكى 9% دار الافتاء
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قدم المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، دراسةً موسعة حول فتاوى المعاملات المالية التي برزت خلال العام، مركزًا على الفتاوى التي سعت لهدم اقتصادات الدول المستقرة ومعارضة فتاوى المؤسسات الرسمية الهادفة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية.
 
حيث انطلقت دراسة المؤشر من عينة قوامها نحو 350 فتوى عربية سواء، كانت رسمية أم غير رسمية، تتعلق بالاقتصاد وفوائد البنوك وشهادات الاستثمار، والمعاملات المالية الحديثة، كاشفًا دور الفتوى على المستوى الرسمي خاصة في مصر ومن خلال الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية في دعم الاقتصاد الوطني في مجالات الاستثمارات البنكية والودائع المصرفية، وتشجيع السياحة الدينية، والحث على دفع الضرائب وغيرها، وهو ما ماثل الفتوى ذات الملمح الاقتصادي في الإمارات والأردن والمملكة العربية السعودية والمغرب وفلسطين.
 
إلى جانب محاربتها للتعاملات غير الآمنة والمقوّضة لاقتصاديات الدول، مثل العملات الافتراضية والمشفرة، فقد حرّمت تداول عملة البيتكوين والتعامل بها، وكافحت كثيرًا للحد من بعض التعاملات غير الشرعية والتي تكون بعيدًا عن الجهات المختصة، مثل احتكار العملات الأجنبية بعد ارتفاعها، أو التجارة غير المشروعة في العملات الأجنبية بعيدًا أو التجارة غير المشروعة في الآثار الفرعونية...إلخ. 
 
 
وساهمت الفتوى الرسمية في العديد من الدول العربية، مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والأردن والمغرب وفلسطين وسوريا، في التصدي لعدد من المعاملات المالية التي تؤثر سلبًا على اقتصادات الدول في العصر الحاضر، مثل الاحتكار والذي جاء بنسبة (20%) من بين إجمالي عينة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة، وظاهرة المستريح والتي جاءت بنسبة (18%)، ثم العملات الافتراضية بنسبة (16%)، وغسيل الأموال بنسبة (13%) وبيع العملات في السوق السوداء خاصة في الأزمات الاقتصادية وجاء بنسبة (13%) أيضًا، ثم الفوركس بنسبة (11%)، وأخيرا التسوق الشبكي بنسبة (9%) من بين الظواهر السلبية التي حاربتها الفتوى الرسمية. 
 

تحريم الاحتكار بكافة صوره وأشكاله 

 
مثلت الفتاوى المرتبطة بقضية الاحتكار نسبة (20%) من إجمالي عينة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة، حيث حرّمت الفتوى الرسمية العربية في الكثير منها مَنْ يَسْتَغل ظروف الناس ويحتكر السلع ويبيعها بأسعار مبالغ فيها؛ نظرًا للضرر الناجم عن استغلاله احتياج الناس إلى مثل هذه السلع، فهو يضرُّ الناس ويضيِّق عليهم، وهذا يؤدي إلى إيذائهم ماديًّا ومعنويًّا.
 
 ومن نماذج الاحتكار المحرَّم الذي ورد بالفتاوى، القول بأن: "التاجر المشتري للسلع وقت الغلاء وحبسها متربصًا زيادة السعر مع حاجة الناس إلى ما حبسه وبيعه بالسعر الذي يراه ما لم تكن هناك ضرورة أو حاجة بالناس للسلعة المحبوسة، والحاصل أن العلة في منع الاحتكار ليست ذات الاحتكار، بل الإضرار بالناس، ولهذا يقول الإمام البيهقي في "المعرفة" (8/ 206، ط. دار الوعي بحلب بالاشتراك) بعد ذكره حديث معمر رضي الله عنه: [إنما أراد -والله أعلم- إذا احتكر من طعام الناس ما يكون فيه ضرر عليهم دون ما لا ضرر فيه] اهـ.
 

تحريم ظاهرة "المستريح"

 
جاءت الفتاوى المرتبطة بظاهرة المستريح بنسبة (18%) من إجمالي عينة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة، حيث تفاعلت الفتوى الرسمية مع بعض الظواهر الاجتماعية التي تتعلق بالاقتصاد، منها تحريم وتجريم ما يقوم به ما يوصف بـ "المستريح"؛ لأنَّه يبني مَشْرُوعَه على استغلال البسطاء وغيرهم بالتَّخَفِّي وراء مظلة أو صبغة شرعية، فمعايير الكسب الحلال غائبة عن أطراف هذه المعاملات؛ لأنّها قائمة على الغِشِّ، والتدليس، والخيانة، وأكل أموال الناس بالباطل؛ حيث يتم استخدامها لكلا الجانبين كوسيلةٍ لكسب المال السريع، ورغم تَوسُّط السلعة هنا، إلَّا أنها أصبحت صورية، وعدم وجود ضمانات قانونية لأصحاب الأموال، ولا يَخْفَى ما في هذا من الغَرَر، والجهالة، وإضاعة الأموال التي أَمَرنا الله تعالى بالمحافظة عليها، وأيضًا ما ثبت لدى أهل الاختصاص أن شيوع مثل هذا النمط من المعاملات يترتب عليه أضرار اقتصادية بالغة تتعارض مع المقاصد الشرعية.
 

 تحريم التعامل بالعملات الافتراضية 

 
بينما جاءت الفتاوى المرتبطة بالتعامل بالعملات الافتراضية بنسبة (16%) من إجمالي عينة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة، حيث حرّمت الفتاوى في كثير من الدول تداول العملات الافتراضية والتعامل من خلالها بالبيعِ والشراءِ والإجارةِ وغيرها؛ لآثارها السلبية على الاقتصاد، وإخلالها باتزان السوق ومفهوم العمل، وفقدان المتعامل فيها للحماية القانونية والرقابة المالية المطلوبة، ولما فيها من الافتيات على وُلاة الأمور، وسلب بعض اختصاصاتهم في هذا المجال، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الغررِ والجهالةِ والغشِّ في مَصْرِفها ومِعْيارها وقِيمتها، وذلك يدخلُ في عموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». فضلًا عما تؤدي إليه ممارستُها من مخاطرَ عاليةٍ على الأفراد والدول، والقاعدة الشرعية تقرّر أنه "لا ضرر ولا ضرار".
 

 تحريم ظاهرة "غسيل الأموال"

 
بينما الفتاوى المحرمة لغسيل الأموال بلغت نسبتها (13%) من إجمالي عينة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة، حيث اعتبرت الفتاوى أن غسيل الأموال بكل صوره محرّمٌ شرعًا ومجرمٌ قانونًا؛ فإنه قد بدأ بمحظورٍ شرعيٍّ هو التكسب من الجرائم والمحرمات، وانتهى إلى محظورٍ شرعيٍّ هو تصرفُ مَن لا يملك فيما لا يملك، وما لزم عن ذلك من حرمة المعاملة التي بنيت على محرم؛ لأن ما بُني على حرام فهو حرام، وآل إلى محظور شرعي هو الإضرار بالأوطان؛ لما في استباحة غسل الأموال من تهديد الاقتصاد الوطني، فضلًا عن أن ذلك قد يستخدم في تمويل الحركات الإرهابية؛ مما يعود بالضرر الكبير على أمن الوطن وسلامته، كما أنه تحايلٌ وتدليسٌ وكذبٌ حرَّمه الشرع.
 

 تحريم بيع العملات الأجنبية في السوق السوداء

 
وبنسبة (13%) من إجمالي عينة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة جاءت الفتاوى المتعلقة بتجارة العملات الأجنبية، حيث أكدت كثير من الفتاوى على عدم جواز التعامل في النقد الأجنبي إلا عن طريق البنوك وشركات الصرافة المعتمدة المرخص لها في هذا النوع من التعامل، والمال المكتسب مما يعرف بـ"تجارة السوق السوداء" كسب غير طيب، يدخل ذلك في الاحتكار المحرم شرعًا، وهو أيضًا مُجَرَّمٌ قانونًا، ومرتكبُ هذا الفعل مرتكبٌ لإثمٍ كبير؛ لأنه يضيق على عامة الناس من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومتطلبات الحياة بسبب شحّ العملة، فيلحق الضرر باقتصاد البلاد، ويؤثر سلبا في الاستقرار ومسيرة البناء والتنمية، ويوقع المحتاجين في المشقة والحرج.
 

 تحريم "الفوركس"

 
وبنسبة (11%) جاءت الفتاوى الموضحة لحكم التعامل في "الفوركس" من إجمالي عينة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة، حيث انتهت الفتاوى الرسمية وكذلك بعض المؤسسات الفقهية؛ كمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، إلى أن التعامل بالفوركس حرام شرعًا، ويجب منعها، أما على القول بضرورة الالتزام بالعقود المسمَّاة وعدم جواز إحداث عقود جديدة: فإن معاملة الفوركس قد أصابها الخلل الذي يمنع من تركيب العقود من جهات أخرى. وأما على ما عليه التحقيق من جواز إحداث عقود جديدة من غير المسمَّاة في الفقه الموروث: فإن ذلك الجواز مشروط بخلو العقود المستحدثة من الغرر والضرر، وهذه المعاملة قد تحقق فيها الغرر والضرر في أشد صورهما:
 
- أما الغرر: فقد اتفق الاقتصاديون وخبراء المال على أن معاملة الفوركس قد حوت أكبر قدر من الغرر في العقود المالية الحديثة على الإطلاق، وأنها أصبحت بذلك أشبه بالمقامرة التي تؤدي إلى الخراب المالي على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات.
- وأما الضرر: فلما اشتملت عليه هذه المعاملة من ضرر بالغ يتمثل في إذعان العميل بتحمله الكامل لنتائج هذه المعاملة الشديدة المخاطرة دون أدنى مسئولية على البنك أو السمسار، كما أنها تهدد اقتصاديات الدول بصورة واضحة؛ فمن الممكن أن يؤثر يومُ عملٍ في سوق العملات على عملة دولة، وهو ما وقع في الثمانينيات في دول شرق آسيا.
 

 تحريم التسويق الشبكي (كيونت)

 
وأخيرا جاءت الفتاوى المرتبطة بالتسوق الشبكي بنسبة (9%) من إجمالي عينة المؤشر المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة، حيث حرمت الفتاوى ذلك النوع من التسويق، وذلك لأسباب كثيرة، منها عدم توفر الأطر القانونية الخاصة المنظِّمة لعمل الشركات في هذا المجال؛ فلا توجد قوانين مسنونة لتنظيم التعامل بها، وغياب الرقابة المالية، والتأثير السلبي لهذه المعاملة على الاقتصاديات المحلية، وذلك يتضح في جانبي الإنتاج وحجم الادخار من العملة الأجنبية، والأثر الخطير على منظومة القيم في المجتمعات من خلال التشجيع على الاستهلاك غير الرشيد، وعلى الاتجاه نحو الكسب السريع الذي لا ينتج عن تحسن في حجم الإنتاج.
 
ليقدم مؤشر الفتوى في نهاية دراسته عددًا من التوصيات التي تمثلت في التأكيد على أهمية استعانة المفتي بالمختصين للحكم على مختلف المستجدات خاصة المستجدات المتعلقة بالمعاملات المالية الحديثة، لتخرج الفتاوى على قدر من الالتزام بالضوابط الشرعية وتحقيق مصالح البلاد والعباد في آنٍ واحد، مع ضرورة وجود مفتين اقتصاديين يتمتعون بالاجتهاد ويفتون بناءً على قواعد فقهية وأصولية وقياسية سليمة تأخذ الواقع المعاش بعين الاعتبار، مراعين أولويات الناس ومآلات الأحكام.
 
كما أوصى المؤشر بإيلاء فتاوى العملات الرقمية والمشفرة والتعاملات الافتراضية أهمية قصوى، فلا ينبغي الاجتهاد الفردي فيها؛ بل لا بد من الاجتهاد الجماعي للخروج بأحكام وفتاوى منضبطة تتعلق بمصير الشعوب والأمم وتؤسس لفقه اقتصادي ملائم للعصر.
 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة