يقدم جناح الأزهر الشريف بمعرِض القاهرة الدوليّ للكتاب لزواره، كتاب "الانحراف في فهم السنة عند الجماعات المتشددة"، بقلم د. أيمن الحجار، الباحث بمشيخة الأزهر الشريف، يتناول الرد على أفكار التيارات المتشددة التي تبنت العنف منهجًا، واستندت إلى بعض النصوص الشرعية لتبرير منهج العنف والتشدّد، عارضا الأسباب التي أدت إلى هذا الفهم الخاطئ، ومبينا الفهم الصحيح والمعتمد لأئمة الحديث وفقهاء الأمة.
يذكر الكتاب في طليعته أنَّ السنة النبوية المطهرة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، اشتملت على قيم حضارية كان لها عظيم الأثر في بناء شخصية الإنسان المسلم، حيث كانت مصدرًا للمعرفة الصادقة، والأخلاق الفاضلة، والتشريعات التي تضمن سلامة الفرد والمجتمع، ومع جلال ما جاء في دواوين السنة النبوية من توجيهات وآداب جعلت هذا الصرح الشامخ مصدر إعزاز وفخر للأمة على مدى تلك القرون الخالية؛ إلا أن شرذمة من الناس ساءَ فهمها، وقَلَّ علمها أخطأت فهم السنة فخرجت من النورانية التي تحمل السنة مشاعلها إلى الظلامية التي رسخت في قلوبهم وعقولهم، فلم تبصر ذلكم النور المتدفق من السنة النبوية المطهرة، فراحوا يستخدمون تلك النصوص لتأييد ضلالهم، فانحرفوا بها عن الفهم السليم، مما جعل البعض يطعن في تلك النصوص ظنا أنها تحمل في طياتها معاول الهدم للمجتمعات وتحضّ على الكراهية وعدم الحب والتعايش، وما كان هذا إلا بسبب تلك الفئة التي ضلت عن سواء السبيل وجنحت بفهمها عن الطريق القويم.
وعن أسباب هذا الخلل في فهم الجماعات المتشددة لنصوص الحديث الشريف، ينبه المؤلف على ١٤ سببا، يجمعها غياب التأصيل العلمي والبناء المنهجي لديهم، وهي كالتالي: انتزاعُ النَّص من سباقه وسياقه ولحاقه وملابساته، عدم مراعاة العام والخاص والمطلق والمقيد في فهم النص، عدم مراعاة أسباب الورود للروايات الحديثية، عدم معرفة دلالات الألفاظ، الإغراق الشديد في التمسك بظاهر النص وعدم النظر في فحواه، عدم مراعاة المقاصد الكلية التي جاءت بها الشريعة، عدم مراعاة العرف والعادة العرفية والعقلية القائمة بين الناس، عدم التفرقة بين الظني والقطعي، عدم التفرقة بين الخلاف المعتبر والفتاوى الشاذة، الانتقائية في جمع النصوص والمسائل والاختيارات الفقهية، نقل بعض المسائل الفقهية من ساحة الاختلاف الفقهي إلى ساحة العقائد، عدم النظر إلى مآلات الأفعال ومراعاة الواقع المعاش، المساواة بين الحديث الضعيف والموضوع وعدم التفرقة بينهما من حيث الرواية والعمل، تطبيق الجرح والتعديل الخاص برواة الحديث على المعاصرين من العلماء وفتح أبواب الطعن والسباب.
ويلفت المؤلف إلى نتائج تبدو خطيرة ترتبت على أسباب الخلل في الانحراف في فهم السنة عند الجماعات المتشددة، أبرزها: احتكار الفهم الصحيح وتسفيه الأقوال المخالفة لمنهجهم ووصفها بالانهزامية والخور، سوء تنزيل النصوص وتأويلها على غير وجهها، التعميم في الحكم وإصدار الأحكام الجزافية على المخالفين لهم بالبدعة والفسق والإرجاء والميل للسلطان، الروح العدوانية المسبقة في قراءة النص الشرعي وفهمه فتراهم يختارون من الفهم أشده وأعقده وأعسره، سوء الظن بالعلماء من خلال الحكم على النوايا وتفسير المراد حسب أهوائهم لتشويه صورة العالم لا سيما إن كان أزهريا أو وسطيًّا.
وقد ضرب المؤلف كثيرًا من الأمثلة من السنة النبوية مما كان للمتشددين فيها آراء تخالف ما أجمع عليه الأئمة، فأحسن وأجاد وحلل وشَرَح وقارن بين كلام المتشددين وكلام غيرهم من الاعتدال، فجاء الكتاب وافيًا بالغرض الذي سيق من أجله.
ويشتمل الكتاب على ثلاثة مباحث، الأول: بيان أسباب الخلل في فهم نصوص الحديث الشريف، الثاني: الجذور التاريخية التشدد الفكري وموقف العلماء من الفكر المتشدد، ويأتي المبحث الثالث والأخير تحت عنوان: "بعض الروايات التي حصل فيها انحراف في الفهم وتشدد في التطبيق"، ويشتمل على 13 رواية، تناولها المؤلف بالبحث والتحليل والمناقشة.
ويشارك الأزهر الشريف -للعام السابع على التوالي- بجناحٍ خاص في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 54 وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبناه طيلة أكثر من ألف عام.
ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.