لم تكن المرة الأولى التى يتعرض فيها الكورنيش لانهيار نتيجة ارتفاع الأمواج، وليست الإسكندرية الوحيدة فى ذلك. يحدث الأمر كل شتاء على امتداد السواحل المصرية من رفح إلى مطروح، وتشهد كل دول العالم نفس الظاهرة على شواطئها، ولا علاقة للأمر بأى زلازل أو هزات أرضية، إذ يرتبط الأمر بفترات النوات وارتفاع المد، الذى ينحر فى الشواطئ ويبتلع جزءا من الرمال ما يجعل منسوب الأرض فى المنطقة ينخفض بشكل سنوى، باختصار ما حدث فى الإسكندرية ليس مشكلة، وليس جديدا، وسيتكرر فى كل موسم كما يحدث فى كل العالم.
بالفعل الشواطئ المصرية معرضة للنحر والتأكل بسبب العوامل الطبيعية ومنها التغيرات المناخية التى تؤدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وبالتالى تراجع الشاطئ بالإضافة إلى العواصف والتيارات المائية والمد والجذر فكل هذه العوامل تؤدى إلى النحر ولكن ببطء مع مرور الوقت، ومنذ سنوات طويلة ونحن نتحدث عن تغير المناخ وعن تأثيره على السواحل المصرية والدلتا، لكن هناك خطوات وجهود كبيرة تبذلها الدولة المصرية ممثلة فى وزارة الموارد المائية والرى للسيطرة على تأكل الشواطئ واستعادتها مرة أخرى وهناك الكثير من المشروعات التى يتم تنفيذها.
السؤال الذى يطرحه الشارع المصرى حاليًا ما هى حقيقة ما حدث فى كورنيش الإسكندرية ؟ ويجيب عليه المهندس محمد غانم المتحدث الرسمى باسم وزارة الموارد المائية والرى، بأن هبوط الكورنيش كان نتيجة الأمواج العاتية التى تحدث فى "نوة الكرم " ويعلمها أهلنا فى الإسكندرية فهى إحدى النوات التى تحدث كل شتاء لكنها العام الحالى أكثر شدة من الأعوام الماضية لدرجة أن الموج وصل إلى 5 أمتار وضربت الأمواج الكورنيش وأثرت على رصيف الكورنيش حديث قامت بسحب الرمال من أسفل الرصيف وتسببت فى حدوث هبوط فى هذه المنطقة بطول 20 مترا.
وعلى الفور دفعت أجهزة حماية الشواطئ التابعة لوزارة الموارد المائية والرى وبالتنسيق مع محافظة الإسكندرية بمعدات شركة المقاولين العرب وتم اجراء أعمال حماية عاجلة وضع كسر من الحجارة ثم صب الخرسانة عليه لتتخلل من الفتحات وتمنع دخول المياه ثم بعد ذلك تم استخدام الحل الأكثر استدامة بوضع كتل حماية زنة 5 أطنان.
وكلف الدكتور هانى سويلم وزير الموارد المائية والرى بتشكيل لجنة تضم ممثلين من هيئة حماية الشواطئ والمركز القومى لبحوث المياه "معهد بحوث الشواطئ ومعهد بحوث الإنشاءات ومحافظة الإسكندرية للمرور على كافة المناطق الحرجة فى الكورنيش لتحديد أسلوب التعامل مع تأثيرات النوة الحالية على الكورنيش.
وتعتبر ظاهرة نحر الشواطئ أحد الظواهر الطبيعية الشاطئية حتى قبل حدوث التغيرات المناخية وساهمت فى زيادة حدة اختفاء أجزاء من الشواطئ بسبب ذوبان الجليد وبالتالى ارتفاع مستوى سطح البحر حول العالم ومن بينها الشواطئ المصرية وإن كان بدرجة متفاوتة من بقعة لأخرى وفقًا للخصائص الجغرافية، وهناك تهديد باختفاء كلى أو جزئى لبعض الجزر فى العالم.
ولعل السواحل المصرية ودلتا نهر النيل من أكثر المناطق المهددة بالعالم، لذلك تبذل الدولة العديد من الجهود للحفاظ عليها من الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وخلال السنوات الماضية تم تنفيذ العديد من الأعمال لحماية للشواطئ بأطوال تصل إلى 210 كم، خاصة وأن العمل على الحفاظ على منسوب سطح البحر يعود بالنفع على سلامة المواطنين، ويحافظ على المشاريع الصناعية والزراعية والسياحية الموجودة على سواحل مصر الشمالية، بما يمكنا من تحقيق التنمية الاقتصادية فى تلك المناطق، بالإضافة إلى الحفاظ على المناطق الأثرية، فما هى الجهود التى اتخذتها الدولة للحفاظ على السواحل المصرية لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية؟.
أطلقت وزارة الرى مشروع تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية بالساحل الشمالى ودلتا النيل فى مايو 2021، لمواجهة الآثار الناتجة عن التغيرات المناخية، والعمل على إيقاف تراجع خط الشاطئ فى المناطق التى تعانى من عوامل النحر الشديد، واسترداد الشواطئ التى فُقدت بفعل النحر وهو ما يسهم فى تطوير المنطقة المحيطة بقلعة قايتباى لجذب وتنشيط الاستثمارات السياحية، والحفاظ على المناطق التاريخية مثل قلعة قايتباى بالإسكندرية، ويساعد على حماية الأراضى الزراعية، وحماية بعض القرى والمناطق المنخفضة من مخاطر الغمر بمياه البحر مثل المنطقة شرق مصب فرع رشيد وحتى بوغاز البرلس وكذلك المنطقة غرب مدينة بورسعيد، ويبلغ طول المشروع 69 كم بالأراضى المنخفضة فى سواحل دلتا نهر النيل بخمس محافظات "بورسعيد – دمياط – الدقهلية – كفر الشيخ – البحيرة"، علاوة على إقامة محطات إنذار مبكر على أعماق مختلفة داخل البحر المتوسط للحصول على البيانات المتعلقة بموجات العواصف والأمواج والظواهر الطبيعية المفاجئة، ومن المقرر أن تنتهى أعمال المشروع فى عام 2024.
ويشمل المشروع على عمل خطة إدارة متكاملة للمناطق الساحلية على طول السواحل الشمالية لمصر على البحر المتوسط، للحفاظ على الاستثمارات والثروات الطبيعية بالمناطق الساحلية، بمنحة مقدمة من صندوق المناخ الأخضر التابع للبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة بقيمة 31.40 مليون دولار، وتم البدء بمحافظة كفر الشيخ بطول 27 كيلومتر كأولوية أولى؛ لحماية الطريق الدولى ومحطة كهرباء البرلس ومشروع الاستزراع السمكى فى بركة غليون والأراضى الزراعية المجاورة وكذلك التوسعات المستقبلية فى المشروعات السياحية، ومن المنتظر الانتهاء من تنفيذ أعمال الحماية قبل نهاية عام 2025
وفى دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات السياسية والاستراتيجية أوضحت أن مدينة الإسكندرية تعد من أوائل المدن التى تأثرت بالتغيرات المناخية، وظهر ذلك فى عدد من التغيرات كالتغير فى مواعيد نوات الأمطار، وارتفاع منسوب أمواج البحر، وزيادة سرعة الرياح؛ مشيرة إلى أنه تم إطلاق مشروع الحماية الشواطئ بطول الساحل بمحافظة الإسكندرية، وشمل ستة مشروعات لحماية الشواطئ والمناطق المعرضة لخطر ارتفاع مياه البحر، منها: مشروع الحماية البحرية لقلعة قايتباى، ومشروع حماية سور الكورنيش الأثرى بمنطقة المنشية ومحطة الرمل، وإنشاء حواجز للأمواج من شواطئ المنتزه حتى ميامى، ومشروع حماية منطقة السقالات بخليج أبوقير لحماية المنطقة، ومشروع حماية الحائط الأثرى لأحواض الأسماك داخل المنتزه، ومشروع الحماية من بئر مسعود وحتى المحروسة، وسلسلة من الحواجز الغاطسة لحماية منطقة الكورنيش أمام فندق المحروسة، بتكلفة مليار و341 مليون جنيه.
وأوضحت الدراسة أنه من أهم المشروعات التى تم تنفيذها بمحافظة الإسكندرية هو مشروع حماية كورنيش وشواطئ المدينة، تدعيم وتطوير الكورنيش تجاه المنشية ومحطة الرمل لحماية سور الكورنيش الأثرى وطريق الكورنيش، من خلال إنشاء حائط بحرى بطول 835 مترًا باستخدام كتل خرسانية زنة 5 أطنان وأحجار بتدرجات مختلفة، وتنفيذ أعمال ترميم وصيانة البلاطات الخرسانية المجاورة لسور الكورنيش لمسافة 350 مترًا، ذلك بالإضافة إلى عملية استكمال إنشاء سلسلة من الحواجز الغاطسة بالإسكندرية لحماية الشواطئ وطريق الكورنيش بمنطقة شاطئ السرايا وأمام فندق المحروسة، من خلال إنشاء لسان بحرى بطول حوالى 600 متر، وإنشاء رصيف بحرى بطول 155 مترًا؛ نظرًا إلى تعرض المنطقة للأمواج العالية. ويسهم هذا المشروع فى استعادة الشواطئ المفقودة بالنحر، وهو ما يمكّن محافظة الإسكندرية من تعظيم الاستفادة من الاستثمارات المقامة بالمنطقة.
وأضافت الدراسة أنه تم تنفيذ مشروع حماية منطقة السقالات أمام القوات البحرية بخليج أبى قير؛ لحماية المنطقة من الغمر، خاصة فى موسم النوات من خلال عمل بلاطات خرسانية أعلى اللسان الحجرى، وعمل رصيف من الستائر المعدنية، وامتداد زيادة عرض السقالة الرئيسة وترميم السقالة القديمة، وتكريك الحوض المائى الحالى حتى منسوب " -3.00" متر، لافتة إلى أن مشاريع حماية الشواطئ تهدف إلى تنمية الثروة السمكية بالبحيرات الشمالية؛ لضمان جودة مياه البحيرات من خلال تحسين حركة دخول مياه البحر للبحيرات، وكذلك يتم تنفيذ أعمال لحماية مصبى نهر النيل عند دمياط ورشيد من مشاكل النحر والترسيب.
وأكدت الدراسة أن من أهم المشروعات، أعمال الحماية المنفذة بمدينة رأس البر خلال السنوات الماضية لحماية الشواطئ والمنشآت من النحر من خلال تنفيذ عملية حماية المنطقة غرب لسان رأس البر، مع إعادة تأهيل الحائط البحرى غرب اللسان، وتدعيم وإعادة تأهيل حواجز الأمواج، وحماية وتكريك مصب مصرف جمصة، وتنفيذ أعمال حماية مناطق الخليج وشرق ميناء دمياط وغرب لسان رأس البر وشرق عزبة البرج.
ولفتت الدراسة إلى أنه تم تنفيذ مشروع حماية وتطوير خليج مدينة مرسى مطروح، من خلال عمل ألسنة لحماية المنطقة الجنوبية للخليج وكورنيش مرسى مطروح من النحر، والمحافظة على الأعماق المناسبة للملاحة بالممر الملاحى القريب؛ بهدف حماية الاستثمارات السياحية والعمل على تنميتها، خاصة وأن شاطئ الأُبيض أحد شواطئ مدينة مرسى مطروح والذى يقع غرب الخليج الرئيس للمدينة بمسافة حوالى 16 كيلومتر ويحتوى على العديد من الاستثمارات السياحية المميزة، ونظرًا إلى تراجع خط الشاطئ فى هذه المنطقة فإن الأمر استلزم التدخل لحماية الاستثمارات الموجودة بالمنطقة من تراجع خط الشاطئ الأمر الذى يهدد الاستثمارات القائمة.
وذكرت الدراسة أن هيئة حماية الشواطئ قامت بالبدء فى المرحلة الأولى بإنشاء 5 رؤوس حماية حجرية داخل البحر عبارة عن حواجز أمواج على شكل حرف T بأطوال من "50 – 75" مترًا تقريبًا، بينها مسافات بينية قدرها 300 متر تقريبًا، وذلك على مرحلتين، حيث تم الانتهاء من المرحلة الأولى، وجارٍ العمل فى المرحلة الثانية التى من المقرر أن تنتهى فى شهر مايو 2024.
أعمال الإصلاحات فى الكورنيش
أعمال الإصلاحات
كورنيش الإسكندرية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة