تظل المرأة المصرية أيقونة الكفاح والأنوثة والرقى منذ عصر الفراعنة، شاهدة على التغيرات والتحولات فى تاريخ مصر، وعرفت المرأة المصرية بجمالها الشرقى المولود على ضفاف نهر النيل منذ عصر الفراعنة، وتركت بصمات جمالية ملموسة على أرض الحضارة المصرية ونقلتها إلى حضارات العالم بعد أن أثبتت قدرتها على التفاعل مع بيئتها شديدة الحرارة، وذلك ضمن سلسلة أسرار القاهرة
ولعبت الظروف المختلفة على مستوى الزمان والمكان دورا كبيرا في دور ملابس المرأة المصرية، كما لعب المركز الاجتماعي دورا في تصاميمها، وكانت الخامة الأساسية المستخدمة هي الكتان الخفيف الذي يبعث برودة في الجسم، ولم تعرف المرأة المصرية الملابس الصوفية، في حين استخدمت القطن مع بداية العصر القبطي، ومن هنا عرف العالم الموضة من ملابس المرأة المصرية.
وكانت المرأة المصرية تحيى حياة سعيدة دون تمييز بينها وبين الرجال، وذلك حسبما ذكرت عالمة المصريات الفرنسية "كريستيان دى روس نوبلكور"،وأكدت أن الإنسان المصري اعتبر المساوة بين الجنسين أمر فطرى ، وكذلك وضعت الحضارة الفرعونية أول التشريعات والقوانين المنظمة لدور المرأة وأول تلك التشريعات وأهمها تشريعات الزواج أو الرباط المقدس من حيث الحقوق والواجبات والقائمة على الاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة بإعتبارها هى (ربة بيت) والمتحكمة الأولى فيه بالإضافة لحقها الكامل والمتساوى مع الرجل فيما يختص بحق الميراث ، كذلك كان لها ثلث مال زوجها فى حالة قيامه بتطليقها بدون سبب كما كان المصرى القديم دائم الحرص على أن تدفن زوجته معه فى مقبرة باعتبارها شريكته فى الحياة الدنيا وبعد البعث أيضاً .
اما عن مكانة المرأة المصرية فى عصر محمد على، فذكرت الكاتب الإنجليزية صوفيا لين بول فى كتابها المأخوذ عن شكل رسائل كتبتها فى القاهرة عام 1842م وتم ترجمته مؤخرا عن دار "عين" بالقاهرة عام 2009 م، بترجمة عزة كرارة، تحت عنوان “المرأة المصرية في عهد محمد علي: رسائل صوفيا لين بول من القاهرة”
فيما يضم كتاب صوفيا الذي يتجاوز 260 صفحة، 35 رسالة أولاها مؤرخة في يوليو 1842م والأخيرة مؤرخة في مارس 1846م. لم تغط هذه الرسائل جوانب من حياة النساء فقط بل تناولت مشاهدات متنوعة: وصف معالم الإسكندرية، رمضان شهر الصيام، شوارع القاهرة ودروبها، مساجد القاهرة، المارستان، القلعة، الطاعون في مصر، الرحلة إلى أهرام الجيزة، الحمام العمومي، مراسم الحداد عند الأقباط وغيرها.
ورغم تركيز صوفيا على حياة الحريم، أي نساء الطبقات الحاكمة والعليا، فإنها تطرقت أيضا إلى حياة النساء والناس عموما في الطبقات الدنيا.
ففي الإسكندرية تصف التفاوت الطبقي المتبدّي في الفارق الشاسع بين ملابس الأغنياء المبهرجة والأردية المهلهلة للفقراء الحفاة. وفي رحلتها النيلية من الإسكندرية للقاهرة تصف ما رأته عند مرورها بمدينة “فوة” على الشاطئ من نساء وبنات يملأن جرارهن أو يغسلن الثياب ثم تضع كل واحدة منهن الجرة أو كومة الغسيل فوق رأسها.
وكما قال الفيلسوف الصينى كونفوشيوس أن المرأة أبهج شيء في الحياة، فالمرأة المصرية على امتداد العصور إبرازت جمالها الحسي وهو ما جعل بعض العلماء يقسمون هذا الاهتمام إلى ثلاثة أقسام: الملابس، ومستحضرات التجميل وتصفيف الشعر، واستخدام الزيوت العطرية لأغراض تعطير الشعر وترطيب الجسد، الذى لا يتعارض مع دورها فى الكفاح والعمل منذ عصر الفراعنة، وذلك حسبما ذكرت النقوش الموجودة على جدران المقابر والمعابد استعمال مستخلصات نباتية ودهانات وزيوت عطرية تعيد للمرأة المصرية رونق ونضارة بشرتها فضلا عن وصفات لنعومة الشعر وحمايته.
وفى نفس السياق تناول كتاب "نساء مصر في القرن التاسع عشر" للمؤلفة جوديث تاكر، تشريح المجتمع المصري وإبراز دور المرأة ويعد الكتاب بمثابة وثيقة فى التاريخ الاجتماعي لمصر بالقرن التاسع عشر، فقد قامت المؤلفة بتحليل أوضاع نساء مصر فى ذلك القرن ضمن سياق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية، يسط الكتاب الضوء على تعرض النساء للتهميش وما يتبعه من إقصاء واستبعاد من الدراسات التاريخية، ومن هنا تأتي أهمية الكتاب كمثال رائد على كتابة تاريخ النساء، فكان الاهتمام بالزراعة وتثبيت المفهوم بأن مصر بلد زراعي، من أكبر الأخطار التى واجهت التحول الاجتماعى وارتباط المجتمع بالنظام العالمى باعتباره مجتمعًا صناعيًا، ولذلك بقي الريف مؤسسًا على نمط من الإنتاج الزراعى، ظلت المرأة فيه جزءًا أساسيًا من حركة الحياة باعتبارها هى المحرك الرئيسى للأسرة الريفية داخل البيت، وفى الحقل، وساعد النظام آنذاك على بقاء المرأة وحدة منتجة ومحركة للأسرة، حيث كانت قطع الأراضى العائلية الصغيرة هى القاعدة.
اما عن المرأة العاملة والأطفال فسلطت الكاتبة الضوء فى عهد الحملة الفرنسية بشكل ظاهر، وكان تجنيد الأسرة بكاملها يتم أحيانًا فى شق الترع والقنوات، وكان عمل النساء والبنات بشكل عام من أسباب ضمان حياة الأسرة.
لم يقتصر دور النساء فى القرن التاسع عشر على عملها بالأرض الزراعية، ولكن تعدى ذلك إلى الحرف الصناعية وإدارة الأملاك وحيازتها، كما أن أدوات الإنتاج كانت ملكًا خاصًا لهن، وطمحت المرأة لأدوار تفوق دورها فى إعالة الأسرة بالمجتمع الزراعى، ولأن عملية التبادل التجارى كانت صغيرة، فما لبثت أن توارت بفعل ربط مصر بالمشاريع الزراعية، فقد قامت بعض الحرف الصغيرة فى المدن وضواحيها، مما أدى إلى خلق ربط بين المرأة ودورها الحرفى والخدمى.
وقد ظهرت النساء فى المدينة فى بعض الأعمال، مثل التجارة والبيع، وكان عدد كبير من الباعة الجائلين من النساء، وكذلك مهنة الدلّالة التي شهدتها مدن إقليمية إلى جانب القاهرة، وقامت المرأة أيضًا بدور الوسيط التجاري، واستثمرت النساء أموالهن فى التجارة البحرية للبهارات، وفى تجارة قوافل الرقيق، كما لعبن دورًا أساسيًا فى بعض الصناعات المصرية آنذاك.
وشهد عهد محمد على دخول مصر فى الصناعات المنزلية وأصبحت النساء موظفات فى الحكومة بينما كُنّ فى الماضى يمارسن الغزل والنسيج من أجل الاستهلاك العائلى، كما كانت المرأة تعمل فى مجال الخدمة لأسباب كثيرة تتصل باللياقة وحسن التصرف، وأخذت الخدمة تتسع رغم ما يشوبها من سوء سمعة، وعانت خادمات المنازل معاناة كبيرة بسبب غياب القواعد المنظمة لذلك.
فى بواكير القرن التاسع عشر كان الوجود الاجتماعى للنساء، خاصة فى المناطق الحضرية، يتم داخل وعبر عدد من المؤسسات التقليدية، وعلى رأسها الأسرة، وكان الجيران أو أعضاء المهنة الواحدة أو أبناء المجموعات العرفية أو الطوائف الدينية أيضًا منظمين داخل مجموعات رسمية وغير رسمية تتداخل مع الروابط العائلية.
وشهد القرن التاسع عشر نمو طوائف من العاهرات والمغنيات والراقصات وغيرهن، وسجلت هذه الطوائف وحدات اجتماعية يتصل معظمها برغبة البعض فى وجودها، أو تحصيل الضرائب، وغير ذلك من الأسباب التجارية أو الاقتصادية بشكل عام، كما كانت أنشطة الطوائف مثل الطرق الصوفية متاحة للنساء، كزيارة المقابر، وحلقات الذكر، والاحتفالات الدينية والشعبية.
وتذكر المؤلفة أن سجلات المحاكم تمثل مصدرًا معاصرًا قيّمًا، حيث إن مصادر القضايا ومجموعات الفتاوى تقدم معلومات عن أملاك وعمل النساء، وعلاقاتهن الأسرية، وصورة عامة معبرة عن وضع من الضغوط والتغير.
وذكرت أن النساء من الخلفيات الاجتماعية حملن شؤونهنّ إلى المحكمة، ونادرًا ما كانت نساء النخبة يظهرن بصفتهن الشخصية في المحكمة، بل فضلن ترك شؤونهن في أيدي الوكيل، أما الفلاحات ونساء الطبقة الدنيا الحضرية فعادة ما كُنّ يعرضن قضاياهن شخصيًّا أمام القاضي، وفى يونيو سنة 1834، قامت الدولة بتجريم كل أعمال الدعارة والرقص، ورحّلت العاهرات إلى صعيد مصر كنوع من العقاب، فيما كانت أعمال الدعارة تتمتع بحماية الامتيازات الأجنبية، وتحولت مدن، مثل الإسكندرية وبورسعيد، لمراكز لتجارة الرقيق الأبيض، وخاصة النساء القادمات من أوروبا.