حكايات وأسرار يكشفها المصرى القديم عبر حضارته العظيمة التى تبلغ آلاف السنين، وما زالت تبهر العالم حتى الآن، فبين الحين والآخر يتم حل لغز من ألغاز ذلك التاريخ الممتد على مدار قرون عدة، سجلت بعضها على جدران المعابد فى زمن الكتابة المصرية القديمة وأخرى لم تسجل بعد، لكن تكشفها كنوز أثرية تخرج من باطن الأرض.
حكايتنا اليوم مع الملكة حتشبسوت، التى نحَّتْ تحتمس الثالث الشاب الذى علا نجمه فيما بعد واستأثرت دونه بالملك، وأثبتت أنها لا تختلف عن الملوك فى شىء إلا فى أنها أنثى، إذ أن الوصاية بحكم التقاليد والشرع كانت لا بد أن تبقى فى يد الملكة "حتشبسوت"، ما دام "تحتمس" لم يبلغ الحلم، ومع ذلك كانت تشعر في قرارة نفسها بأنه لو فحص موضوعها بعين العدل بوصفها الوارثة الشرعية لعرش والدها "تحتمس" الأول، لكانت هي الحاكمة المطلقة للبلاد شرعًا من بادئ الأمر.
ومن الجائز أن "حتشبسوت" من جهتها قد أقنعت الشعب بأنها بنت الإله "آمون" نفسه من جهة، وأن والدها قد نصبها على عرش البلاد من جهة أخرى، وجعلها وارثته الشرعية، وقد حاكَ خيالُ الكهنة قصةً طريفةً لذلك قد يكون في ثناياها شيء من الحقيقة، ومن المحتمل أن "حتشبسوت" قد أذاعتها قبل اغتصابها العرش مباشرة، لتكون بمثابة دعاية، وقد نقشتها على جدران معبدها "بالدير البحري" الذي يعد بناءً فريدًا في بابه، نقشت عليه "حتشبسوت" كل تاريخ حياتها.
ويقول الدكتور سليم حسن فى موسوعته مصر القديمة إن حتشبسوت ظلت بعيدة عن تولى عرش البلاد بصفة حقيقية طوال مدة حكم زوجها "تحتمس الثاني"، وسبعة أعوام من حكم ابن زوجها "تحتمس الثالث"، وعندئذ كانت قد أحكمت مؤامرتها، واعتلت عرشَ البلاد مدة ثلاثة عشر عامًا انزوى في خلالها "تحتمس" الثالث، فلم يسمع عنه التاريخ إلا في مناسبات قليلة.
وأرادت الملكة بعد ذلك أن ترضى أهواء شعبها ولعلها أرادت أيضا أن تشبع رغبة كامنة فى صدرها، فعملت على أن ترسم على الآثار فى صورة محارب ملتح ومع أن النقوش الباقية من عهدها تتحدث عنها بضمير المؤنث، فإنها تسميها "ابن الشمس" و "سيد القطرين"، وكانت حين تظهر أمام شعبها تلبس ملابس الرجال، وتلتحى لحية مستعارة.
ولعلها كان من حقها أن تقرر بنفسها أن تكون رجلاً أم امرأة، وذلك لأنها أضحت من خير الحكام الذين جلسوا على عرش مصر- وهم كثيرون - ومن أعظمهم نجاحاً، فقد وطدت دعائم الأمن والنظام فى داخل البلاد من غير أن تسرف فى الاستبداد، وحافظت على السلم فى خارج مصر، من غير خسارة وأرسلت بعثة عظيمة إلى بونت "، وافتتحت سوقا جديدة لتجارة مصر، وجاءت بكثير من الطيبات لشعبها.