"نحن نبيع الهدوء لا تفسدوا بضاعتنا"، شعار حفر على قطعة خشبية اقتصت من جذع شجرة زيتون، متصدرا واجهة عريشة تقع على بعد 16 كيلو متر شمال مدينة سانت كاترين المقدسة، رفعت أعمدتها على مقدمة قاعة أحجارها من صخور جبال تحيط بجوانبها، ليستقبل فيها باعة الهدوء زبائنهم من كل أنحاء الأرض الباحثين عن عزلة تبعدهم عن كل صخب، وداخل حجرات على شكل أقبية شيدت متباعدة يخلدون للراحة.
الهدوء الذى ينشده زوار سانت كاترين من الأجانب والمصريين فى هذا المكان، ومن أجله يقطعون مسافات لقضاء يومين أو أكثر سبقهم فى إختياره وأكتشاف سره قبل 40 عاما "عيد" الرجل الطيب كما يطلق عليه أهل المدينة المقدسة، عندما فضله كمكان يعتزل فيه الناس وصخب الحياة تحت ظل عريشتة وسط مزروعات بسيطة من اللوز والتين والزيتون يرعاها حتى وفاته عام 2008.
متعة العزلة والبحث عن الهدوء الذى اختاره "عيد"، دفع نجله "محمد" عن البحث عن سره، بعد أن اقتفى أثر والده فى الجلوس فى المكان ليكتشف كم النتائج المحسوسة من قضاء ايام فى مكان لارفيق فيها غير قليل من الزاد، وإن السر فى "عروق الماء" وهى مسارات المياه التى تمر تحت الأرض فى هذا المكان بين الصخور وتشحن من يجلس فوقها بطاقة إيجابية، وتجدد تغذية الروح وتصفية الذهن فكان قراره أن تتحول عريشة والده الباقية حتى اليوم، لموقع استقبال سائحين، يبحثون عن الهدوء فى "دار عيد "، وتكون إضافة لنوع جديد من السياحة.
روى " محمد عيد "، لـ "اليوم السابع" التجربة الفريدة والجديدة من نوعها فى توفير نمط سياحة الهدوء والصمت فى سانت كاترين فى هذا المكان بمنطقة تسمى " القسب" نسبة لنوع من النخيل ينمو فيها، ويتوسط موقعها قريتى "الطرفا" و"الشيخ عواد " شمال مدينة سانت كاترين.
أشار" محمد" لعريشة تتوسط عددا من أشجار الزيتون والتين واللوز داخلها صندوق يحتوى على أدوات بسيطة لإعداد الشاى والقهوة، بقوله "إنها كانت مقر والدى لنحو 40 عاما، كان يحضر ليقتطع ايام وشهور من وقته ومعه مايكفيه من الزاد يجلس وحيدا مكتفيا برى ورعاية شجيرات مثمرة حوله".
وتابع قائلا، انه بدوره وبعد وفاة والده حضر للمكان، وجرب خصوصية أن يعتزل فيه لأيام وبفطرته البدوية وما أكتسبه من معارف فى حياته، أكتشف أن سر الطاقة الإيجابية التى يعود بها من المكان هى مسارات تدفق المياه الجوفية تحت الأرض، وأن هذا الموقع وفقا لمصطلحاتهم المحلية " وخيم"أى انه يصلح للمعيشة فيه، بينما فى "العلم" يزود الجسم بطاقة إيجابية، ومن هنا بدأ فكرة أن يقيم مبنى، يطلق عليه اسم "دار عيد " نسبة لوالده وفيها يتيح الإقامة لمن يبحثون عن الهدوء فى غرف مكوناتها من طين وحجارة وأخشاب البيئة المحلية.
وتابع "عيد" الأبن بقوله " أن الهدوء الذى يبيعونه بضاعة لا تقدر بثمن ومن يأتيهم باحثا عنه لا يعنيه الشكليات من حيث سبل المعيشة والرفاهية، وبدورهم غير معنيين بتوفيرها، لافتا أن المنشآت التى أقيمت لإستقبال السائحين شيدت من جدرانها من صخور انتزعت من جبال المكان، وسقفت من طوب اللبن على نمط عمارة "حسن فتحي"، تحتفظ بدرجة الحرارة الدافئة شتاء والباردة صيفا، وروعى فى التصميم اتجاهات الغرف وفتحات الشبابيك والابواب للاستفادة من تيارات الهواء، داخل كل غرفه لا يوجد سوى مكان للنوم واضاءة خفيفة مصدرها ألواح طاقة شمسية، وما يتوفر من إحتياجات روعى انها من مشتقات البيئة المحلية وتحمل طابع البساطة وعمق الإبداع فى إعادة تدويرها.
واشار أن موقع الغرف روعى انه يقع على على مسار خط المياه الجوفى الذى تم تحديد موقعه ورسم خريطتها بالاستعانة بأهل الخبرة من ابناء المكان، وسط مكان منبسط هو يصلح لإقامة الإنسان داخل حضن جبال تضم بدورها مساحات مغلقة تعيش فيها الحيوانات البرية والطيور، وتحت سفوحها تنمو الحشائش والأعشاب، لتكون بذلك نسيج طبيعى من حياة كل من يعيش على الأرض من إنسان وحيوان وطير ونبات وصخور، تمنح كل من يعيش فى أجوائها السلام النفسى.
وتابع انه تصدر الموقع ما يسمى بالديوان وهو مكان استقبال تحت عريشة يتوسطها موقد نيران طبيعى يلتف حوله الزوار، تمنح الدفئ وتضيئ قليلا من مساحات حولهم للتعرف على بعضهم والتحاور، وتناول المأكولات الطبيعية المضاف لها الزعتر الجبلى وزيت الزيتون ومشروب الشاى بنبتة الحبق والنعناع الجبلى مع خبز الفراشيح السيناوى، بينما داخل المكان بهو واستراحة خفيفة تتضمن أدوات مطبخ بسيطة يمكن فيها أن يقوم الزائر اعداد طعامه ومشروبه، وممارسة القراءة فى مكتبة تضم كتب فى شتى صنوف المعرفة وقسم خاص يضم مراجع ونشرات تعريف بمدينة سانت كاترين وعموم سيناء، والإطلاع على معارض تضم الإنتاج المحلى لأهل المكان من منتجات منوعة صنعت محليا، وممارسة هواية الكتابة والرسم على جذوع خشبية لتبقى تذكار زيارة المكان.
وقال أن الزائر للمكان هو من يحدده برنامج يومياته القائم على احترام العقل والخيال، ودورهم إرشادى وتعريف بقيمة الوقت الذى يقضيه عندهم ضيفهم ليستفيد منه، وتشمل هذه البرامج "سياحة الصمت"، وتقوم على الالتزام بالصوم عن الكلام لتوقيتات من 48 ساعة وتمتد لأيام قد تصل لأسبوع، وفى البداية يتم مساعدة من يمارس هذا البرنامج حتى يتقنه ويصبح طبيعيا فى ممارسته وحصوله على احتياجاته التى تتوفر له دون الحاجة لنطق كلمة واحدة، مع قضاء وقته فى التأمل حوله والتجوال بين الجبال المحيطة والابتعاد عن أى مؤثر وتواصل قد يفسد البرنامج حتى يصل لصفاء روحى، والهدف من البرنامج التخلص من كل سلبيات ومؤثرات عالقة فى الذهن من زحمة الحياة والعمل ليعود البدن نقيا معافى معتمدا على شحنة غذاء روحى، إضافة لبرامج السياحة البيئية التقليدية وهى رحلة المشى الطويل وتسلق الجبال.
واشار أن زبائنهن الباحثين عن الهدوء، يصلون للمكان منذ انطلاقة العمل فيه قبل 9 سنوات مرورا بمراحل تطوره، هم نوعية خاصة من المبدعين بينهم مشاهير يفضلون العزلة للبحث عن أفكار تنتج جديد من ابداع الفن بأنواعه والكتابة، والحفظ، فضلا عن زبائن من طلبة العلم بداية من المرحلة الثانوية مرورا بكل المراحل الدراسية الجامعية والدراسات العليا ومن يعدون أطروحات علمية ويبحثون عن مكان يصفو فيه ذهنهم لرسالتهم ومايريدون أن يلتصق بعقلهم بدون تشويش.
وأشار محمد عيد صاحب المكان، أن زوارهم من كل دول العالم وكل الأعمار، وقال " هذه السياحة ذات الطبيعة الخاصة اصبحت جاذبة لكثير من المصريين وكل من يأتى لخوض التجربة لا ينقطع عن زيارة المكان ومعه من يحب".
تجربة خوضها قررته " ايمان مصطفى" التى تعمل مدير إدارى فى إحدى الشركات الخاصة بالقاهرة، واصبحت تكرر زيارتها كل عدة شهور، وبحسب قولها، "انها عندما تحضر من القاهرة لتقضى ايام العطلات فى هذه العزلة الاختيارية وسط حضن الطبيعة وبعيدا عن كل رفاهيات الحياة وصخب يومياتها وضغوط العمل، تعود وكأنها ولدت من جديد وتستطيع أن تبدع فى عملها".
وبدورها أشارت "جويلى " وهى سائحة من نيوزلندا إلى انها عشقت المكان منذ سنوات، ورغم انها تقيم فى مدينة "دهب" إلا انها كل فترة تحضر لتنعزل وسط الجبال لتشاهد النجوم والقمر من فوق قمم الجبال وتعيش حياة بسيطة، مؤكدة أن هذا من مميزات سيناء التى تعشقها ومن أجلها تقطع مسافات.
سر بقاء المكان والكشف عن اسرار جديدة من سحره الخفى يؤكد عليه الطفل"مهدى" البالغ من العمر ٧ سنوات، وهو يبتسم فى وجه من يحضر من الزوار ويطالبهم مشاركته التسابق والتقاط أوراق الأعشاب ذات المذاق العذب، بجوار عريشة جده "عيد" وتحت ظل اشجار كرمه التى يتعهد بريها محافظا على استمرار حياتها فى هدوء.
بينما عبرت ذكريات من حضر للمكان عن حالهم وهم يعيشون لحظات التأمل والعزلة والهدوء واستعادة ارواحهم المخطوفة من ماديات الحياة بكلمات خطوها على قطع خشب زينت المكان ومنها " من عرف نفسه عرف ربه"، "إسمح لرياح الصمت تقتلع جذور مابجوفك"، " لاتبحث عن معلم ينير لك الطريق بل إبحث عن ذاتك وسيظهر المعلم"، "سيناء تشبهين كل الجمال الذى يلون الأرض تشبهين اشياء لايمكن أن ترى تشبهين الأحلام والرؤى".
ابداعات-على-الجبال-
اعداد-الشاى-
الطاقة-النظيفة-تغذرى-المكان-
الطبيعة-والبحث-عنها-
العريشة-التى-منها-بدأت-فكرة-المشروع-
الغرف-من-الداخل
المكان-قبيل-الشروق-
اماكن-الراحة-
اماكن-للاقامة-فى-عزلة-بعيدة-
بيوت-تستقبل-الفارين-للهدوء-
تذكارات-زوار-المكان-
تذكار-على-جذع-شجرة
تستقبل-الباحثين-عن-الهدوء
تعايش-مع-الطبيعة
جلسة-بسيطة-فى-حضن-الطبيعة-
خيام-للاسترخاء-
رحلات-لا-تنقطع-بحثا-عن-الهدواء
سائحة-من-نيوزلندا-تستمتع-بلخظات-الهدوء
سائحون-من-كل-العالم-يستمتعون-بلحظات-سهر-هادئة-
سائحون-يستمتعون-بحكايات-اهل-الصحراء-ليلا.
طبيعة-بكر-كما-هى--بدون-تدخل-
طبيعة-تحتضن-المكان
فى-حضن-الطبيعة
للمكان-رهبته
محرر-اليوم-السابع--فى-المكان-
محمد-عيد-الذى-اطلق-فكرة-المكان-على-اثر-والده
مفردات-الطبيعةفى-المكان-
مكان-للهدوء-
من-احفاد-ابناء-المكان-امام-اثر-جده-
منتجات-محلية-من-انتاج-سيدات-المكان-
من-ذكريات-زوار-للمكان
من-لحظات-الابتعاد-عن-كل-مؤثر
من-مفردات-الطبيعة-البكر-حول-المكان-
وحدات-الاقامة-فى-المكان-
وحدات-من--احجارالمكان-
ولحظات-الاسترخاء
يبحثون-عن-الهدوء-فى-حض-الطبيعة
يبعيون-الهدوء-
يتركون-ذكرياتهم-
يعدون-القهوة--
يوميات-الحياة-فى-المخيم-