"لست هناك ولست هنا.. ليَ اسمان يلتقيان ويفترقان.. ولي لغتان نسيت بأيهما كنت أحلم.. لي لغة إنجليزية للكتابة طيّعة المفردات.. ولي لغة من حوار السماء مع القدس.. فضية النبر.. لكنها لا تطيع مخيلتي" بهذه الكلمات لشاعر الأرض المحتلة محمود درويش، ربما تنطلق الناقدة الكويتية سعاد العنزي في أحدث إصداراتها "لست هناك ولست هنا" الصادر حديثا عن دار نينوي للنشر والتوزيع، محاولة من خلال الإصدار الجديد أن تتناول أوجه التشابه بين اثنين من أبرز الشخصيات الثقافية على المستوى الفلسطيني والعربي، وهما الشاعر الكبير محمود درويش والمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، وخلال قرأت لك نستعرض ما جاء بالكتاب.
ما بين محمود درويش وإدوارد سعيد
وترى المؤلفة أنه ربما نتيجة التجارب الشخصية المشتركة بين درويش وسعيد، نجد العديد من السمات المشتركة في كتاباتهما، مستشهدة بكتابة الاثنين عن قدرة الجنس البشرى على الخير والشر على حد سواء، ما أضاف منظورا إنسانيا على نحو خاص إلى تمثيلهما للهوية، كما أن سعيد ودرويش تبنا موقفا واضحا من التسامح والتعايش المشترك طوال حياتهما الشخصية، داعيين على سبيل المثال إلى الحاجة إلى التعايش المشترك السلمى بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين وإسرائيل، وهو ما انعكس في مخرجاتهما الأدبية والنقدية، على حد تعبيرها.
إبداع كوني
وتذهب المؤلفة إلى أن درويش على الرغم من وصفه بشاعر الأرض المحتلة، لكنه لم يدافع على نحو أعمى عن القضايا الفلسطينية، غير أنه كما هو الحال مع إدوارد سعيد، قد نقب في التاريخ من أجل أن يكشف عن تلك الهياكل الأساسية في الخطاب التاريخي التي عملت على تشويه الواقع المعاصر للعرب، انطلاقا من السقوط الكارثي الأخير لغرناطة في الأندلس إلى استعمار لبنان وسوريا والعراق، كما أن درويش سلط الضوء على الإحساس التاريخي بالكارثة الذي كان موجودا في الوعي الجمعي للعرب، واستمر في الواقع المعاصر لفلسطين المحتلة.
على الرغم من هذا الانخراط الكبير لكلا من سعيد ودرويش في قلب القضية الفلسطينية، وعلى شكل نحو أعمق بالحالة العربية، إلا أنها ترى أنهما لا يحدا نفسهما في التركيز فقط على الهوية العربية أو الفلسطينية، بل أنهما سعيا إلى تصوير وتمثيل أكثر كونية للحالة الإنسانية، غير مقيدين بحدود العرق أو الجنسية، علاوة على ذلك وعلى الرغم من أنهما دعيا بلا كلل إلى زيادة الوعي بقضايا الهوية في العالم العربي، ولا سيما فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، إلا أنهما لم يتجاهلا قط حقوق الإسرائيليين، في سبيل العيش في عالم يسوده السلام.
حلم الوحدة العربية عند درويش وسعيد
الحدث الأكبر أهمية في تاريخ فلسطين المعاصر، بالتأكيد هو نكبة عام 1948، ومن هذه الحرب حتى نكسة عام 1967، ألهم ظهور حركات القومية العربية الحلم المتمثل في توحيد الدول العربية وتحرير فلسطين، وعلى الرغم من ذلك فأن حرب الأيام الستة في عام1967 لم تقتصر على خسارة العرب للعديد من الأراضي الفلسطينية فحسب، بل وضعت حدا لآمالهم في الوحدة العربية، وأشارت الكاتبة إلى أن درويش وسعيد تأثرا بشدة بهذا الحدث، وقد انعكس ذلك في كتاباتهم، درويش على سبيل المثال، بدا مرحلة جديدة في شعره، فقد تحسر على فقدان الفلسطينيين ذاتهم الجماعية، واختار "إحياء الأحداث المأساوية الماضية على نحو بليغ بغية تمثيل الخسارة الكارثية لفلسطين وعدم القدرة على بلوغ حق العودة، بينما سعيد وصف هذه الفترة الحرجة بأنها تنتج جوانب إيجابية وسلبية على حد سواء من إحدى النواحي "نشأت القومية الفلسطينية كقوة مستقلة في الشرق الأوسط" ومن ناحية أخرى كنتيجة سلبية لخيبة الأمل في السياسات العربية التي سببتها النكسة، ظهرت الأصولية على السطح، الأمر الذي دفع بعض الجماعات الدينية إلى اختيار تبنى أيدلوجية جهادية ومحاربة إسرائيل عن طريق الإرهاب.
المقاومة
ترى "العنزي" في كتابها أن محاولة الفصل بين كتابة كلا من محمود درويش وإدوارد سعيد وموقفيهما السياسيين، هو أمر مستحيل، لأنهما كانا على القدر نفسه من الالتزام بالمقاومة من حيث النشاط السياسي، فقد أظهرا معارضتهما للاحتلال من خلال الانخراط في منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفهما عضوين في البرلمان الفلسطيني، وإعلان آرائهما السياسية بوضوح، أما في نشاطاتهما الأدبية والعلمية، فقد بذلا جهودا كبيرة لإعادة كتابة ما تم محوه عمدا في التاريخ ورواية القصة الفلسطينية الحديثة التي تشكلت من خلال معاناة الفقد والإزاحة، حيث ركزت الكثير من كتاباتهما على الصدمة الفلسطينية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة