يعتبر قصر الزعفران بجامعة عين شمس أيقونة الجامعة المعمارية الفخمة لما له تاريخ طويل يبدأ مع تاريخ تعمير حي العباسية في عهد الخديوي إسماعيل، والذي كان من ضمن اهتماماته الرئيسة التعمير والتعليم فجعل حي العباسية صوب عينيه.
الدكتور ممدوح الدماطى، أستاذ علم المصريات المشرف على متحف الزعفران جامعة عين شمس وزير الآثار سابقاً، كشف عن تاريخ هذا القصر، موضحا أن تاريخه بدأ تعمير حي العباسية في عهد الخديو إسماعيل، والذي كان من ضمن اهتماماته الرئيسة التعمير والتعليم فجعل حي العباسية صوب عينيه.
وأضاف: أقام الخديوى إسماعيل فيه القصور وشيد المدارس الحربية، ثُم بنى قصرًا فخما لإقامة والدته خوشيار هانم عرف بقصر الزعفران عام 1869م، وكان قصرًا فخما أحاطه بحدائق الزعفران وانتقلت للعيش فيه حيث أقامت مع حاشيتها الكبيرة في سراي الزعفران بالعباسية، وكان معها في السراي طاقم موسيقي، كالموجود في فرق الموسيقى العسكرية مؤلف من أربعين عازفة، لهن مديرة برتبة الأميرالاي، ومن هذا يمكنا أن نتخيل سعة القصر وملحقاته، الذي كانت تعيش فيه الوالدة باشا خوشيار هانم.
وتابع: تركت الوالدة هذه السراي بعد أن شيَّدَتْ سرايا فخمة متسعة مطلة على النيل في نقطة حي جاردن سيتي الحالي.
وأشار: وعندما انتقلت خوشيار هانم للقصر العالي بجاردن ستي لم تترك سراي الزعفران بل احتفظت بها حتى عام 1882م، ثم تنازلت أ عنها للميري بطلب من حفيدها الخديو توفيق. ثم استردتها بعد ذلك عام 1887م.
وفي عام 1901م أزيل قصر الزعفران القديم وبني في موقعه القصر الحالي، مع البقاء على مبنى قصر الزعفران الملحق الذي كان يرتبط بالقصر الكبير، واستمر مرتبطا بعد ذلك بالقصر الحالي حتى أزيّلَ في منتصف الستينيات .
وقال الدماطى: وإذا ذُكِرَ اسم الزعفران كان يقصد القصران معًا، ومعهما تبدأ مرحلة جديدة في سيرة القصر، أولها إقامة أرملتي الخديو إسماعيل، الأميرتان جنانيار هانم وجشم آفت هانم بدءًا من عام 1902م، حتى تُوفِيَتْ جشم آفت هانم في نوفمبر 1907م، ثم جنانيار هانم في ديسمبر 1912م، لتنتقل ملكية القصر للورثة، ثم تنتهي ملكيته إلى الدائرة الخاصة لحضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول سنة 1922م.
واستطرد : بني القصر الحالي فيما بين عامي (1901 1902م) في موقع القصر القديم، وأشرف على البناء مهندس القصر أنطونيو لاشياك بتكليف من الأميرتين أرملتي الخديو إسماعيل، جنانيار هانم وجشم آفت هانم.
وانتهى العمل في القصر عام 1902م. واتسم تصميمه بالتماثلية السيميترية فهو ينقسم إلى قسمين هما الجناحات الشرقي والغربي للقصر - متساويين تماما، وهو النمط نفسه الذي ظهر في كثير من عمائر أنطونيو لاشياك، ويربط بينهما السلالم المنعكسة، كما في تصميم قصر الأمير سعيد حليم.
وتخليدا لذكرى الزوج الفقيد إسماعيل باشا كلفت الأميرتان المهندس المعماري أنطونيو لاشياك بوضع وحدات زخرفية تمثل المونوجرام الخاص بالخديو إسماعيل بالحرف الأول من اسمه حرف الـ (ا) داخل إكليل نباتي مكون من غصنين متقابلين في شكل دائري يعلوهما التاج الملكي ذو الهلال، بوصفه إحدى الشارات الملكية التي عُرِفَتْ للحكام والأمراء من عصر أسرة محمد علي.
وشيد لاشياك قصر الزعفران بالحجر الجيري من دورين وبدروم وسطح يشغله مجموعة من الغرف الخدمية، تبلغ مساحة البدروم 1504 متر مربع، أما مساحة الطابقين الأرضي والأول فتبلغ 1377 متر مربع، ويفتح على هذا القصر خمس مداخل منها مدخلين رئيسين في الجانبين الشمالي والجنوبي، ومدخلين فرعيين ومدخل يُفضي للبدروم.
وبني القصر متأثرًا بطراز من الباروك ويُميّزه العناصر الزخرفية متنوعة الأشكال والتي اشتملت على باقات الورد وفروع الأزهار المتناثرة في الواجهات الأربع للقصر، والتي تميّزت بتكدس الوحدات النباتية، وكذلك في الكتل البارزة للواجهات فكانت مزدحمة بالوحدات الزخرفية المكونة من فروع النباتات والفاكهة والأزهار المتناثرة على الواجهات.
أما الزخارف الداخلية فهي متأثرة بزخارف الباروك وبعض ملامح من طراز الروكوكو، والذي يُعد امتداد لفن الباروك بتكثيف الزخارف النباتية كاستخدام الأكاليل المشكلة من الزهور واستخدام ألوان الباستيل الدافئة مثل الأبيض والأصفر، والرمادي اللؤلؤي والدرجات الفاتحة جدًا من اللون الأزرق، وكذلك يظهر في الأشغال المعدنية، كما جمعت زخارف القصر الداخلية بين الطراز القوطي حيث يتضح الطراز القوطي في كثرة استخدام الزجاج المعشق بالرصاص وفي البريجات الصغيرة التي تُزيّن أعلى الواجهات.
ومن العناصر المعمارية والزخرفية المميزة لمنشئات المهندس المعماري لاشياك، التناسق المثلي / السيمترية في تخطيط القصر، وبين أجزاء الواجهة، واستخدام السلم الكبير البيضاوي الذي يعد أبرز عنصر معماري في البهو الكبير وافتراش الأرضيات بخشب الباركيه بنظام السبعات والثمانيات واستخدام الأعمدة أمام الفصوص، وهو ما يبدو في بهوي الطابقين الأرضي والأول فضلاً عن الثراء الزخرفي في الداخل لاسيما الزخارف المنفذة بنظام الفورمات التي ا اشتهرت بها مباني الباروك والركوكو وتغطية الزخارف الجصية بالألوان الذهبية والفضية.
أما عن مساحة جنينة القصر، فكانت في أرجح الآراء 56 فدان تقريبًا، كانت مزروعة كلها بنبات الزعفران، وهو سبب تسميه القصر «بالزعفران، وكانت رائحة النبات تفوح في أنحاء المنطقة.
وعن تاريخ القصر وأهم الأحداث التي مر بها وعايشها، يقول الدماطى: أرى أن أحيل القارئ إلى كتابي عن قصر الزعفران، الذي يُعَدُّ في محتواه العلمي كتابًا توثيقيًا لقصر الزعفران يتناول الأحداث التاريخية والاجتماعية التي عايشها القصر بمعلومة تاريخية مبسطة.