صدر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث كتاب "التصوّف الجزائري: تاريخه وأثره السياسي في الجوار" ويهتم بالحالة الدينية في الجزائر، ويتقصى أثرها على المدى الأفريقي والأوروبي، فيدرس تاريخ وراهن الطرق الصوفية الجزائرية، وتفاعلها السياسي، وعودة الدولة والمجتمع إليها، ضمن مساعي إعادة بناء الهوية المتجاوزة للعنف، والمستفيدة من عناصر القوة الناعمة.
ويتناول الكتاب تاريخ التصوف في الجزائر فيركز على الطرق الجزائرية المحلية مثل: الطريقة العلاوية؛ شاذلية المنشأ؛ والحضرات البلقايدية، والرحمانية، مؤكدًا أصالة الطريقة التيجانية في عين ماضي والأغواط، ومنبهًا لقوّتها التأثيرية الروحية في أفريقيا، ساحلها وغربها، ويقارن أثرها السياسي؛ ويقاربه بالتأثير على ليبيا والسودان وتشاد، مارًا على انفعال الساحل الأفريقي بالطرق الجزائرية خاصةً مالي والسنغال ونيجيريا، ولا يفلت بحث تأثير الحركات الإسلاموية وتأثرها بهذه التفاعلات وجذور إقصائها للتصوف باسم الإصلاحوية حينًا وباسم الحداثات الطارئة حينًا آخر.
بدأ الكتاب برصد مسيرة تدبير الدين في الدولة الجزائرية، وتعقب الحزم التي انتهت بتقدير رسمي لأهمية الثقل التاريخي للتديّن التقليدي الجزائري، والمساعي لتوظيفه في معركة صدّ التيارات الإسلاموية الواردة من الأفكار الدخيلة على الجزائر من حركية إسلاموية أو تشدد نصّي؛ فرصد الباحث الجزائري يحيى بوزيدي جذور استبعاد التصوف؛ الذي توافقت عليه التيارات الحداثوية والإسلاموية قُبيل الاستقلال، وبعده، ولم تتصالح الدولة مع أهميته إلا بعد الأزمة الأمنية في التسعينيات من القرن المنصرم.
التصوف في الجزائر
أما الباحث الجزائري فيصل ازدارن فاهتمّ بتنظيم الدولة الجزائرية للملتقى الأول للطرق الصوفية عام 1991، ووثّق اهتمام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة بالزوايا؛ مستشهدًا بزياراته لزاوية الأزهرية في ولاية الجلفة في أكتوبر (تشرين الأول) 2003، ثم حلّ زائرًا على زاوية الهامل التابعة للرحمانية، التي تُعدّ مقرًا لضريحي محمد بن بلقاسم، وابنته لالة زينب، وخاطب عام 2006 مؤتمر الطريقة التيجانية، وفي زيارته لمدينة قمار بولاية الوادي عام 2008 وصف التدين الروحي بقارب النجاة، وأعاد الاعتبار للطريقة العلاوية في ذكراها المئوية، في مدينة مستغانم عام 2009، وشارك عام 2018 في افتتاح الزاوية البلقايدية، التي ساهمت في حملاته الانتخابية وباركته زوايا الجنوب في ولاية أدرار (زاوية الشيخ محمد بلكبير). راهن الباحث على أهمية تفعيل مقترحات لـ«رص الصف الوطني والحفاظ على الذاكرة الجمعية والهوية الثقافية والدينية للمجتمع».
أما الباحثة الجزائرية مليكة عقون فتطرّقت إلى تقسيمات، تجعل الطريقة العلاوية؛ أنموذجًا للتصوّف الحضري، الواقع بين اليمين المحافظ الممثل بالطرق الريفية واليسار الذي تمثله جمعية العلماء المسلمين، وذلك بعد أن ركّزت على قراءة ذكيّة للصراع بين الجمعية والطرق، التي تواءمت مع الإدارة الفرنسية وقاومتها على حدٍّ سواء، وصولًا إلى درسها جذور الصراع بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ والطرق الصوفية في العشرية الدموية. عرضت الباحثة التجليات النسائية في الطرق الصوفية، فبحثت في رمزيّة حضور القديسات مثل الزاهدة لالا تيفلانت، أو حارسة تلمسان لالة ستي الجيلاني، وسيدة مغنية «لالة مغنية» الراقدة على الحدود المغربية، و«لالة فاطمة نسومر» التي لقبها المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (Louis Massignon) (1883-1962) بــ«جان دارك جرجرة»، وأمّ الصحراء «لالة زينب القاسمية» التي تولت المشيخة؛ وأدارت الزاوية وأقامت على زاوية الهامل على خطى القاسمي. واستغربت الباحثة عدم اهتمام البحوث الأكاديمية العربية بدورهن، في ظل كثافة الترجمات الفرنسية والإنجليزية التي تقصّت سيرتهن، ولا تناولهن الإعلام!