تحل اليوم ذكرى وفاة الشاعر الإيطالى دانتى إليجيرى الذى رحل عن عالمنا في الرابع عشر من سبتمبر عام 1321 وهو صاحب المؤلف الشهير الكوميديا الإلهية المكون من ثلاثة أقسام الجحيم، المطهر والفردوس، والذى يعد البيان الأدبي الأعظم الذي أنتجه أوروبا أثناء العصور الوسطى، وقد ظهرت الكوميديا الإلهية فى عدد من المؤلفات العربية فكيف تناولها الكتاب والمؤلفون؟
يقول زكى نجيب محمود في كتاب الكوميديا الأرضية: يُحكى أن شاعرًا كان اسمه «دانتي»، عاش في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، قد كتب قصيدة طويلة عظيمة أسماها له الناس من بعده «الكوميديا الإلهية»، طاف فيها بصحبة أستاذ له قديم من الشعراء الأولين، هو «فرجيل»، طاف بالجحيم فوصف مَن شهده فيها من الآثمين، وما شهده مُنصبًّا عليهم هناك من عذاب أليم.
ثم شاء الله — ولا رادَّ لمشيئة الله إذا شاء — أن يبعث «دانتي» حيًّا شاعرًا كما كان، وأن يبعث معه «فرجيل» دليلًا هاديًا كما كان أيضًا، وعادت لدانتي شهوته القديمة في وصف الأهوال، فكان أن زار بلدًا يقال عنه إنه بلد العجائب، حتى إذا ما رجع إلى بلاده عمد توًّا إلى ما كان قد كتبه في حياته الأولى، وأدخل عليه تغييرًا وتحويرًا يناسب العصر الحديث، مستفيدًا بما علَّمته التجربة في بلد العجائب، وإدراكًا منه بأن الشاعر الحق لا مندوحة له عن مسايرة الزمن، لكنه هذه المرة أطلق العنان بنفسه على قصيدته، ولم يترك ذلك للأجيال القادمة، كما قد فعل أول مرة، ثم اختار عبارة «الكوميديا الأرضية» عنوانًا لقصيدته الجديدة.
وهاك خلاصة وافية لوصف الجحيم في «الكوميديا الأرضية» كما كتبها الشاعر القديم الحديث.
يقص علينا «دانتي» كيف سار في صحبة دليله «فرجيل» حتى بلغا باب الجحيم الأرضي، فقرأ على قمة الباب هذه الأسطر الآتية مكتوبة بماء الذهب: «ادخلوا إلى مدينة الأحزان، ادخلوا إلى أرض العذاب، ادخلوا بين من ضلَّت بهم السبيل إلى أبد الآبدين، فيأيها الداخلون انفضوا عن أنفسكم — عند مدخلي — كل رجاء
ويقول كامل كيلانى في كتاب الوعظ القصصي والوعظ الكاذب :"لا يزال «جحيم دانتي» معدودًا أكبر قصة ذات حوادث رائعة في الدنيا، ولكن قليلًا من الناس قد قرأه رغم ذلك، ولئن كان كثير من شعره صعب الفهم غير محبَّب إلى القارئ العصري أن يستمر في قراءته، ويشارك «دانتي» في رحلته الطويلة حيث جاس خلال الجحيم، فهو مع ذلك خيال رائع التورية والكناية، لا يتخلَّف إذا قيس خياله القوي إلى خيال شكسبير وملتن الذي اشتهرا به في أشعارهما.
وظاهر الكوميديا الإلهية وصف للجنة والنار والمطهر، وباطنها تصور حال الأرواح بعد الموت، مورِّيةً بذلك، ومكنِّيةً عن حاجة الإنسان إلى قبس روحاني ومرشد يكون له هاديًا.
وقبل أن نبدأ السير مع دانتي في طريقه، ونجوس معه أنحاء الجحيم وأرجاءها، يجدر بنا أن نذكر أن «جحيم دانتي» ظل ماثلًا في أذهان من قرأوه مشرقًا بالحياة رائع الحقيقة واضح الصور بين التقاسيم، شأن أمثاله من الأسفار الخالدة: «كقصة روبنصن كروزو» و«رحلات جلفر»، كذلك تتمثَّل مناظر الجحيم الرائعة صورًا مكتملة، وتظل خالدة في النفس، ماثلة في الذهن، باقية بقاء المناظر الأخاذة بالنفس التي يراها الإنسان فلا ينساها ما عاش، إذا نسي كل شيء سواها.
ولقد رسم لنا «دانتي» جحيمه على صورة هاوية عميقة هائلة تشبه مخروطًا مقلوبًا يلتقي بالأرض في منتصفها، ثم ينقسم في جانبيه عدة أقسام — طبقات بعضها فوق بعض — تضيق سعةً بالطبع كلما هبط الإنسان من درك إلى درك، وكلما ازدادت شناعة الجرم سفل مكان الخاطئ فيها!".