خرج علينا منذ وقت قريب كتاب مهم عن المركز القومي للترجمة، ترجمته لنا الكاتبة والمترجمة الدكتورة عفاف عبد المعطي، الكتاب هو "ذكريات فى الترجمة.. حياة بين خطوط الأدب العربي" لـ دينيس جونسون ديفيز، أشهر من ترجم الأدب العربي للغة الإنجليزية، وهذا الكتاب به إضافة مهمة فإن الكاتب الكبير نجيب محفوظ هو من كتب له مقدمة.
يروي لنا دينيس جونسون ديفيز قصته مع اللغة العربية والأدب العربي، وكيف أن الأمر لم يكن سهلا أبدا، فقد لعبت الظروف دورا ولعبت الصدفة دورا ولعبت المشكلات دورا أيضا، إنها رحله من الأب الذي كان محبا للغات القديمة ومن دينيس جونسون ديفيز الذي لم يكن محبا لشيء لكنه متميز فى بعض الرياضات، ولم يكن أمامه العديد من الخيارات، لكنه فى النهاية صار ذلك المترجم الكبير.
نستطيع مع الكتاب أن نعرف كيف كان الغرب سواء فى جامعة كامبردج الشهيرة أو فى إذاعة الـ bbc يتعاملون مع اللغة العربية، وما أغراضهم منها، وكيف يربطونها بالعبرية، إن الأمر لا يتعدى كون السياسة تفرض نفسها على هذه الرؤية.
وفى الكتاب أشياء كثيرة يمكن قولها، لكن سنتوقف عند علاقة دينيس جونسون ديفيز بنجيب محفوظ، وكيف تعرف على بعضهما البعض.
تعرفت على نجيب محفوظ في الفترة التي قضيتها فى القاهرة ما بين عامي 1945و 1949؛ حيث كنا نلتقى في إحدى المقاهي التي كان يتردد عليها في وقت مبكر، ترجمت قصة من إصداره الأول "همس الجنون" تم بثها فى البرنامج الأوروبي بالإذاعة المصرية في عام ١٩٤٧، وقرأت روايته زفاق المدق فشعرت توا أنه لا توجد كتابات مثيلة لها في اللغة العربية. تذكرت أنني حضرت إحدى أمسيات طه حسين الأسبوعية مع لويس عوض، آنذاك، ذكرت الرواية، فلم أجد أحدا قد سمع نهائيا عن محفوظ أو عن روايته.
ذكريات
نبهتني فاطمة موسى - إحدى رائدات النقد الأدبي المصري وأم الروائية أهداف سويف- أخيرًا عندما كانت تلميذتي إلى أنني قد تحدثت بحماس في إحدى المحاضرات عن محفوظ وقصته" "زقاق المدق" بما يؤكد أن لدي تعليقات عدة تجاهها لذلك بدأت في ترجمتها قبل حوالي ثلاث سنوات من إصدارها رغم شعوري أني من أجد ناشراً لها على أية حال، قام المستعرب الكندي "تريفور لابرسيك' بترجمة النص أيضا، واستطاع نشر ترجمته في بيروت.
عرفت أن نجيب محفوظ كان يحدوه الأمل في أن أترجم مثلما سبق أن ترجمت عددا من قصصه القصيرة، فسرت على العهد في ترجمة إحدى رواياته التي كان يعرف مدى شغفي بها، وكم أعجبت بكتاباته. عندما كنا نلتقي في أحد المقاهي المفضة له، كنا دائما نتحدث عن إبداعه آنذاك، لم أكن أتخيل أنني أتحدث مع الفائز المستقبلي بجائزة نوبل.
لقد اتخذت - بإصرار - وسيلة النقد للاستشهاد بأن رواية مثل اللص والكلاب تفتقر إلى قدر من الوصف للممارسة الجنسية، والعنف الذي يتوقعه القراء الإنجليز في رواية بمثل هذه الحبكة.