واصل مجلس حكماء المسلمين خلال عام 2023 تكريسَ مزيد من الاهتمام والتفاعل مع قضايا الأمة العربية والإسلاميَّة، والالتزام بدعم الجهود الهادفة إلى تعزيز دور قادة الأديان في مواجهة التَّحديات العالميَّة، مُستلهمًا من رؤيته الشَّاملة بأهمية تعزيز ثقافة السلام والتسامح ونشر القيم الإنسانية ومبادئ التَّعايش الإنساني، ومحاربة التطرف والإرهاب، وتبنِّي الحوار الثقافي والديني بين الشعوب والثقافات بوصفه أساسًا للتنمية والازدهار.
وكانت القضية الفلسطينيَّة في صدارة اهتمامات مجلس حكماء المسلمين خلال عام 2023، ولا سيما في ظل ما يشهده قطاع غزة والأراضي الفلسطينية من عدوانٍ خلَّفَ الآلاف من الشهداء والمصابين من المدنيين الأبرياء، معظمهم من النساء والأطفال، وتشريد عشرات الآلاف ممَّن فقدوا السكن والمأوى ومحاولات التهجير القسري للشعب الفلسطيني الأعزل؛ حيث أدان المجلس من خلال بياناته هذا العدوان الذي ينتهك القوانين والأعراف الدوليَّة والإنسانية، وجدَّد الدعوات إلى المجتمع الدولي والعالم بضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين الأبرياء بإيصال المساعدات اللَّازمة، وضمان إقرار حق الشعب الفلسطيني المشروع في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشَّريف.
وفيما يتعلَّق بالأزمة السودانية، دعا مجلس حكماء المسلمين إلى ضرورة إنهاء الصِّراع وتحقيق الوحدة والسلام ووقف الاقتتال الداخلي، وأهميَّة حفظ الأمن والاستقرار وإنهاء الانقسامات وتعزيز روح المصالحة والتضامن بين أبناء الشعب السوداني، داعيًا الله عزَّ وجلَّ أن يوفق الحكماء إلى الأَخذِ بأيديهم إلى برِّ السلام وحقن الدماء التي حرَّمها الله تعالى من فوق سبع سماوات.
كما حرص مجلس حكماء المسلمين على إدانة كافة أشكال العنف والتَّطرف والإرهاب في جميع أنحاء العالم، انطلاقًا من رؤيته الهادفة لتعزيز الحوار والتَّعايش المشترك ورفض كافَّة أشكال العنف والكراهية والتَّعصب والإرهاب.
وفي مواجهة الحملات الممنهجة لحرق المصحف الشريف، أدان مجلس حكماء المسلمين مثل هذه الممارسات الاستفزازيَّة التي تتنافى مع كافة الأعراف والمواثيق الدوليَّة التي تدعو إلى ضرورة احترام وقبول الآخر وعدم الإساءة للمقدسات والرموز الدينيَّة، مؤكدًا أن هذا السلوك الإجرامي يبرهن على عنصريةٍ بغيضةٍ تترفَّع عنها كافة الحضارات الإنسانية، داعيًا إلى ضرورة وقف بثِّ خطاب الكراهية وإثارة الفتن، واحترام معتقدات الآخرين، وهو ما بدَا واضحًا أيضًا في ترحيب المجلس بقرار البرلمان الدنماركي الخاص الذي نصَّ على حظر "المعاملة غير اللائقة" للنصوصِ الدينيَّة ذات الأهمية الدينية الكبيرة لمجتمعات دينيَّة معترف بها، الذي يحظر عمليًّا حرق المصحف، مؤكِّدًا أن إقرار هذا القانون يعد خطوةً مهمةً من شأنها أن تُسهِمَ في تعزيز روح التسامح والتعايش المشترك والاحترام المتبادل للمقدسات والرموز الدينية، داعيًا البلدان التي تشهد اعتداءاتٍ مماثلة على الحريات والمقدسات الدينية إلى سَنِّ تشريعات مماثلة للتصدي لخطابات التعصب والكراهية والإسلاموفوبيا.
وفي السياق نفسِه، تضامن مجلس حكماء المسلمين طوال هذا العام مع العديد من الأحداث والكوارث الطبيعية التي تضرَّرت من الدول العربية والإسلامية، منها الزلزال العنيف الذي ضرب المملكة المغربية الذي أسقط أكثر من 3 آلاف قتيل، و26 ألف جريح، وانهيار العديد من المباني، فضلًا عن زلزال تركيا الذي تسبَّب في وفاة أكثر من 50 ألف شخص في تركيا وآلاف آخرين في سوريا، والعاصفة التي اجتاحت مدينة درنة في ليبيا وأدَّتْ إلى وفاة أكثر من 20 ألف شخص، بجانب آلاف المفقودين وتدمير المنازل والبنيَّة التحتيَّة، وحرائق الغابات في الجزائر التي تضررت منها مدنًا عدة.
وكانت مثل هذه الأزمات المناخيَّة والبيئية أحد الدوافع الرئيسية لمضاعفة المجلس جهوده في مجال المناخ، والعمل على إطلاق وتنفيذ العديد من المبادرات والأنشطة التي تهدف إلى إشراك قادة الأديان من مختلف الطوائف والمذاهب في العمل المناخي، وبعث رسالة إلى قادة القرار وصنَّاعِه عالميًّا بضرورة اتخاذ إجراءات جذرية لمكافحة التداعيات المتسارعة والشديدة للتغير المناخي، وذلك من خلال عقد القمة العالمية لقادة الأديان ورموزها من أجل المناخ، وإطلاق نداء أبوظبي المشترك لقادة الأديان من أجل المناخ، وتنظيم جناح الأديان لأول مرة في تاريخ مؤتمرات الأطراف وذلك خلال COP28 .
يذكر أن مجلس حكماء المسلمين هو هيئةٌ دوليةٌ مستقلةٌ، تأسست في أبوظبي يوم 21 رمضان 1435 هـ، الموافقُ 19 يوليو 2014، بهدف تعزيزُ السِّلمِ في المجتمعاتِ المسلمةِ وغيرِ المسلمةِ، ونشر وتعزيزُ قيمِ التسامحِ والحوارِ والتعايشِ المشتركِ، يرأسُها فضيلةُ الإمامِ الأكبرِ أ. د. أحمد الطيب، شيخِ الأزهرِ الشريفِ، وتضمُّ في عضويَّتِها مجموعةً من علماءِ الأمَّةِ وخبرائِها ووجهائها ممن يتسمون بالحكمةِ والعدالةِ والاستقلالِ والوسطيَّةِ.