كثير من المشتركات بين الرئيسين جمال عبدالناصر وعبدالفتاح السيسى، غير أن أهمها ما طبع علاقتهما بالكنيسة، وجعلهما من أبرز رموز رعاية المحبة وبناء التعايش، بجانب شريكين مُهمين على رأس الكرارزة المرقسية: البابا كيرلس السادس والبابا تواضروس الثانى. عبدالناصر ساهم فى بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، والرئيس السيسى أسس كاتدرائية ميلاد السيد المسيح بالعاصمة الإدارية، ورغم الفاصل الزمنى بين الحدثين بنحو ستين سنة، فإن معناهما الأساسى واحد؛ إذ يُلخص هوية مصر وطبيعة ناسها، وما تحمله تلك الأرض من إيمان حقيقى بالتعايش وإجلال الأديان ومُعتنقيها.
والرئيسان آمنا بالإخوة والمحبة الصافية بين جموع المصريين، حتى أن الكلمة التى قالها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر يصح أن تُقال فى كاتدرائية العاصمة الجديدة التى افتتحها الرئيس السيسى، إذ قال نصا: «الثورة قامت على المحبة والخير، ولم تقم أبدًا بأى حال من الأحوال على الكراهية أو التعصب، هذه الثورة قامت من أجل مصر، ومن أجل العرب جميعًا، قامت وهى تدعو للمساواة ولتكافؤ الفرص، والمحبة والمساواة وتكافؤ الفرص من أول المبادئ التى نادت بها الأديان السماوية؛ لأننا بالمحبة والمساواة وتكافؤ الفرص نستطيع أن نبنى المجتمع الصحيح، المجتمع السليم الذى نريد والذى نادت به الأديان».
حلم البابا كيرلس
فى عصر ناصر كان البابا كيرلس السادس يفكر فى إقامة مبنى كنسى بحجم مُناسب، ولم يكن فى التصور أن تكون الكاتدرائية، الواجهة المسيحية التى تجمع الأقباط وتكون منارة للعلم والدين، إنما كان الحلم فى ذهنه، حتى توافقت رؤاه مع الرئيس، الذى أعلن مشاركة الدولة بكل ما أُوتيت من قوّة لتنفيذ الكاتدرائية، وبالفعل وضع حجر الأساس فى يوليو 1965، وكانت أُقيمت مسابقة عالمية فاز بها المهندس عوض كامل، وكان الاستشارى الدكتور ميشيل باخوم، ونفذته شركة النيل العامة، وافتُتحت رسميا للصلاة فى 25 يونيو 1968 فى حفل مهيب، حضره عبدالناصر وهيلا سلاسى امبراطور إثيوبيا.
حلم الرئيس السيسى
مرت ستون سنة تقريبا على حلم كيرلس الذى أنجزه ناصر، وهذه المرة كان الحلم لدى الرئيس نفسه؛ إذ وضع السيسى فى قلب رؤيته لعاصمة الإدارة والحكم الجديدة فى مصر أن تكون بيئة فسيحة للمحبة والتعايش، وأن يتعانق فيها المسجد مع الكنيسة بأخوّة صادقة، وكما كانت عادة مصر والمصريين دوما. كان الرئيس السيسى يحلم بإقامة العاصمة الإدارية؛ لتعبر عن صورة مصر الحديثة المتطورة، والمتماسكة اجتماعيا ودينيا؛ لذا كان التفكير فى إنشاء الكاتدرائية الجديدة شرق مشروع أرض المعارض «إكسبو» وجنوبى الحديقة المركزية، وبالفعل نُفّذت على مساحة 15 فدانا، ما يعادل 63 ألف متر مربع، وهى الأكبر فى الشرق الأوسط، وتستوعب قاعتها الرئيسية 8200 فرد، وشارك فى بنائها أكثر من ألف عامل، من مهندسين وفنيين، واستغرقت 23 شهرا من فبراير 2017 لنهاية ديسمبر 2018. بُنيَت الكاتدرائية بمساهمات المصريين، مسلمين ومسيحيين، وكان السيسى أول المتبرعين. وافتُتِحَت الكنيسة الصغرى جزئيًّا لتشهد صلاة قداس عيد الميلاد بحضور الرئيس يناير 2018، وافتُتحت رسميا فى 6 يناير 2019، وتضم الكاتدرائية مبنى للمقر البابوى، وصالة استقبال، وقاعة اجتماعات، ومكاتب إدارية، إضافة لقاعة كبيرة بمثابة متحف لتاريخ الكنيسة.