هل يجوز لمن وجبت الزكاةُ في ماله أن يخرِجَها مقسطةً في صورة دفعات شهرية على مدار العام إلى مَنْ يعرف أنهم يستحقونها لسدِّ حاجتهم شهرًا بشهر؟، سؤال أجابت عنه دار الافتاء وجاء الجواب كالآتى: يجوز شرعًا إخراج الزكاة مقسطةً على مدار العام بعد مرور الحول الذي وجبت بمروره الزكاة إلى من يعرفهم من مستحقيها الذين يحتاجون إليها في سد احتياجاتهم شهرًا بشهر، مع مراعاة عدم بلوغ الحول التالي إلا وقد أخرجها كلَّها، ولا يعد هذا من تأخير إخراج الزكاة عن موعدها كما نص عليه جماعة من الفقهاء.
حكم إخراج الزكاة بالتقسيط على مدار العام
قد توسع جماعة من الفقهاء في بيان ما يقتضيه معنى الفورية في إخراج الزكاة، وأنها تتَّسعُ لتشمل الوقت من حين وجوب الزكاة بمرور الحول إلى ما قبل مرور حولٍ ثانٍ؛ منهم: الإمامان الكرخي ومحمد بن الحسن من كبار فقهاء الحنفية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد في المنصوص عليه عند الحنابلة، وهو المختار للفتوى؛ لما فيه من تحقيق المقصود الأعظم من الزكاة الذي هو كفاية المستحق لها وإغناؤه عن السؤال على مدار العام كلِّه، ومثاله: أن يتعيَّن المستحق للزكاة مع كونه ممن لا يحسن تدبير المال إذا دفعت إليه جملة واحدة، أو أن يكون ممن تتجدَّد حاجته إلى الزكاة بصفة شهرية لتوفير الدواء أو إيجار المسكن، وبحيث لو دُفِعَت إليه جملة واحدة أسرَفَ فيها وأَضَرَّ بمصلحته ومصلحة مَنْ يعول في الأجل القريب؛ فيكون إخراجُ الزكاة مقسطة إليه على مدار الحول بحسب احتياجاته محققًا لمقصدها من كفايته وسد حاجته على مدار العام.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 3): [وأما كيفية فرضيتها؛ فقد اختلف فيها: ذكر الكرخي أنها على الفور، وذكر في "المنتقى" ما يدل عليه؛ فإنه قال: "إذا لم يُؤَدِّ الزكاةَ حتى مَضَى حَوْلَانِ فقد أساءَ وأَثِمَ ولم يَحِلَّ له ما صَنَع"] اهـ.
وقال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (3/ 294، ط. دار الكتب العلمية): [في "المنتقى" عن محمد رَحِمَهُ اللهُ: إذا كان له مائتا درهم فحال عليها حولان ولم يزك فقد أساء؛ لا يحلّ له ما صنع] اهـ.
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (4/ 244، ط. مؤسسة الرسالة): [له أن يعطي قريبَهُ كلَّ شهرٍ شيئًا، وعنه: لا، وحمل أبو بكرٍ الأولى على تعجيلها؛ قال صاحب "المحرر": وهو خلاف الظاهر، وأطلق القاضي وابنُ عقيلٍ الروايتين] اهـ.