تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة توتر وصراعا على كل الأصعدة، تؤثر بالتبعية على الأمن القومى المصرى، فضلا عن دخول الحرب على غزة مرحلة جديدة، تجلعنا أمام تساؤلات عديدة حول مصير هذا الصراع، وهل ستدخل القضية الفلسطينية عصرا جديدا، لا سيما بعد مثول إسرائيل لأول مرة أمام محكمة العدل الدولية، الأمر الذى سيعيد ترتيب المشهد خلال الفترة المقبلة.
«اليوم السابع» أجرت هذا الحوار مع السفير محمد العرابى، رئيس المجلس المصرى للشؤون الخارجية ووزير الخارجية الأسبق، حول الكثير من الملفات الشائكة لعل أهمها مصير إسرائيل بعد الحرب، وكيف كان تاريخ 7 أكتوبر لا ينسى لدى جيش الاحتلال، وكيف يرى المعركة القتالية المقبلة بعد 100 يوم من القتال والقصف المستمر.. وإلى نص الحوار:
كيف ترى ما حدث فى السابع من أكتوبر؟ وما آثار ذلك على مصير القضية الفلسطينية؟
يظل تاريخ السابع من أكتوبر علامة فارقة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وستظل آثار طوفان الأقصى باقية لسنوات مقبلة، وعلى الرغم من آلاف الشهداء الذين وقعوا ضحية العدوان الغاشم من قبل قوات الاحتلال، لكن فى نهاية المطاف، ما حدث كشف أن الجيش الإسرائيلى يمكن أن يقهر، فضلا عن أن هذا التاريخ يعد عصرا جديدا للقضية الفلسطينية، التى عادت لتكون محل اهتمام العالم أجمع.
القضية الفلسطينية كانت مختطفة من عام 2011، ما بين قوى إقليمية تملك تأثيرا على المقاومة، وبين المجتمع الدولى، فقد كانت حائرة بين القوى الكبرى التى تمتلك تأثيرا مباشرا على مجلس الأمن.
السفير محمد العرابى
ذكرت من قبل أن مصر الدولة الوحيدة التى لم تستغل القضية الفلسطينية.. ما تفسير ذلك؟
مازلت أرى ذلك، فمصر تظل الدولة الوحيدة التى لم تستغل القضية الفلسطيينية من أجل تحقيق مصالح أو أهداف عسكرية أو استراتيجية بالمنطقة، على النقيض هناك ثلاث دول دائما كانت تستغل هذه القضية لتحقيق مصالح فى الإقليم.
يصنف الجيش الإسرائيلى ضمن أقوى 18 جيشا فى العالم.. فى رأيك كيف نجحت المقاومة الفلسطينية بإمكانياتها المحدودة فى هدم هذه الصورة وما مصير المستوطنات بعد الحرب؟
مثلما نفكر فى مصير غزة بعد الحرب، القيادة الإسرائيلية تفكر أيضا فى إسرائيل بعد الحرب، خاصة أن طوفان الأقصى هزم وكسر الكثير من النظريات حول قوة إسرائيل الدولية التى كانت تتنادى بها، وهذا ما يفسر رد الفعل العنيف الانتقامى الذى تنتهجه تل أبيب من أجل استعادة قوتها أمام العالم، ورغم ذلك فإن هذه الحرب كشفت التناقض والتخبط فى الإدارة الإسرائيلية التى كانت تنادى بالسلام والتطبيع، فى ظل الإفراط فى استخدام القوة والعنف بقصف المدنيين.
إسرائيل تعيش حالة من الانتكاسة السياسية والعسكرية، وهذا ظهر فى إدارتها المبتدئة فى حرب المدن التى شنتها على غزة، واستخدامها القطع العسكرية الكبيرة مثل الدبابات، ما أسفر عن خسائر عسكرية عديدة فى جيشها، لذا فإن تلك الحرب وضعتها فى إشكالية مهمة حول كيفية إعادة صياغة وجودها فى الإقليم بعد انتهاء العدوان، وهل ستختار القوة أم العقل والسلام فى حل هذا الصراع.
فى رأيك من سيفوز فى هذا الصراع.. وما معايير الفوز من وجهة نظرك؟
إذا نجحت المقاومة فى وقف إطلاق النار واستمرار تدفق المساعدات بشكل أوسع، والوصول إلى مسار سياسى للتفاوض، بهذا سنقول إن المقاومة الفلسطينية انتصرت فى معركة 7 أكتوبر، لكن إسرائيل تتعمد تعطيل هذه الأهداف وتحقيق أهدافها غير الواقعية، وتستخدم منطق القوة الذى ينتهى بخسائر أكبر فى جيشها.
السفير محمد العرابى
فى رأيك ما مدى واقعية أهداف تل أبيب فى القضاء على حماس؟
لم تنجح إسرائيل فى القضاء على حماس، التى ستظل رقما قويا فى المعادلة الفلسطينية، خاصة أن سلطة الاحتلال وضعت أهدافا غير واقعية تنم عن التخبط من قبل الإدارة التى بدأت تفقد توزانها، فحماس بالمقاييس العسكرية خاضت معارك ناجحة على أرض الواقع، وأثبتت وجودها، لذا فإن الهدف الثانى بتحرير الرهائن لم يتحقق، وخير دليل أن صفقات تبادل الأسرى كانت هى السبيل الوحيد لتحقيق ذلك، فلم يتم تحرير رهينة واحدة بالقوة، ومن تم تحريرها بالقوة عادت إلى إسرائيل جثة.
ما أهم نقاط القوى التكتيكية التى تمتلكها المقاومة الفلسطينية؟
المقاوم الفلسطينى لديه عقيدة فهو على استعداد للموت من أجل تحرير أرضه، وهذا ما يغيب عن الجندى الإسرائيلى، لذا نجد لأول مرة القادة العسكريين يبالغون فى استخدام شعارات الحماس، وهذا ما كان يغيب عن القادة الإسرائيليين، كما أن المقاومة تمتلك أهدافا محددة وأكثر واقعية من قوات الاحتلال، لذا نجد عمليات المسافة صفر التى كشفت عن فشل عسكرى كبير فى جيش الاحتلال.
على مدار أكثر من ثلاثة أشهر كيف تغير موقف الرأى العام الغربى إزاء القضية الفلسطينية؟
هناك تحرك إيجابى فى الرأى العام الغربى، لكن ما زال التأثير لم يصل فى صورة قرارات رسمية إلا فى بعض الدول، لكن النقطة الفاصلة فى هذا العدوان هو زيادة التكلفة الاقتصادية والعسكرية، التى ستؤدى إلى خفض وتيرة العنف والقصف، على غرار سيناريو الحرب على فيتنام.
هل تتأثر الانتخابات الأمريكية بالعدوان على غزة.. وما مصير بايدن بعد تأييده الكامل للكيان الصهيونى؟
لأول مرة فى تاريخ الولايات المتحدة نجد قضية خارجية تؤثر على الرأى العام الأمريكى فى الانتخابات، وسوف تتأثر القضية الفلسطينية أيضا بنتائج الانتخابات والفائز منها، وإذا فاز بايدن، أرى أنه سوف يتخلى عن بعض من التأييد الكامل لإسرائيل من أجل كسب شعبية أكبر.
بعد 100 يوم من الحرب كيف ستتغير المعركة العسكرية على الأرض؟
سوف تتخذ المعركة شكلا آخر، خاصة أن قوات الاحتلال تهدف الآن إلى أن تتحول غزة لمنطقة منكوبة، وستركز عملياتها العسكرية لتكون انتقائية ومحددة فى بعض الأماكن، وستعيش غزة فترة كبيرة على المساعدات الإنسانية.
كيف ترى سير محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.. وهل نجحت جنوب أفريقيا فى تقديم أدلة حاسمة بدعوى الإبادة؟
مجرد مثول إسرائيل بهذه المحاكمة انتصار كبير وتفوق لا ينسى لجنوب أفريقيا، وصدور أى عقوبة تسهم فى إعادة ترتيب المشهد، وسيظل هذا الحكم فى عنق إسرائيل إلى ما لا نهاية بأنها دولة تنتهك اتفاقية منع الإبادة الجماعية، ونقل أحداث هذه المحاكمة التى هى محط أنظار العالم نجاحا ساحقا لصالح القضية.
هل ستلتزم إسرائيل بتنفيذ أى عقوبة تصدر من العدل الدولية؟ وما آثار ذلك على جلسات مجلس الأمن المقبلة؟
إسرائيل لم تلتزم بأى عقوبات سابقة، وتمتلك رصيدا كبيرا من عدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن، خاصة أن قرارات مجلس الأمن أصبحت بمثابة مقايضة سياسية بين روسيا وأمريكا، لذا فلا أعول عليه كثيرا فى وقف إطلاق النار.
سبق وعملت لدى سفارة مصر بتل أبيب.. كيف ترى العقلية الإسرائيلية؟ وما أهم نقاط الضعف فى المواطن الإسرائيلى؟
المجتمع الإسرائيلى مفكك يعتمد على العنصرية والتمييز، فيغيب عنه وحدة الفكر والتجانس، والحرب هى القوة الوحيدة القادرة على جمع هذا المجتمع، لكن السلام يضعف عناصر هذا المجتمع كثيرا، لذا فإن ما حدث فى 7 أكتوبر كان بمثابة جرح كبير وإحساس بالخسارة، فما حدث هو أكبر خسارة لإسرائيل فى تاريخها، ومعسكر السلام داخل المجتمع اختفى كثيرا، وبات معسكر التشدد واليمينية هو التيار المهمين على تل أبيب بالوقت الراهن.
لماذا تخشى إسرائيل من مصر لهذه الدرجة؟
يجب أن نعلم أن مكانة مصر فى المجتمع اليهودى بصفة عامة والإسرائيلى بصفة خاصة كبيرة للغاية، وبجانب أننا نملك جيشا قويا عالميا وعربيا، فإننا كتلة سكانية كبيرة ونملك عقيدة قتالية تستند على الصمود والدفاع عن الأرض حتى الموت، لذا أرى أن إسرائيل لم تفقد رشدها إلى هذا الحد لتغامر بعلاقتها مع مصر، فهى لديها من العقل ما يجعلها تدرك أهمية المحافظة على اتفاقية السلام وعدم خرقها.
هل ينجح مخطط إسرائيل فى التهجير القسرى وما رأيك فى دور مصر بهذا الملف؟
مخطط التهجير أوهام لم يتحقق على أرض الواقع، ودور مصر وصمود الفلسطينيين نجح فى التصدى له ببراعة.
الأوضاع فى دول الجوار بمحيط مصر ملتهبة.. كيف ترى خطوات القيادة السياسية فى هذا الملف؟
مصر فى حدود من نار، لكن رغم ذلك أثبتت قدرتها على إدارة هذا الملف بكثير من الرصانة والتوزان من خلال التعامل السياسى الفطن، لذا فقد نجحت فى الحفاظ على الأمن القومى المصرى بعد اندلاع الأزمات بالسودان وليبيا، وصنعت غلافا مهما يحافظ على أمنها القومى، من خلال استضافة مئات الآلاف من اللاجئين وهو ما كان خطوة استراتيجية مهمة لتخفيف المعاناة على هذه الشعوب من وطأة الحرب والقتال.
كيف تأثرت مصر من الحرب على غزة؟
تأثرت مصر بسبب تهديد الأمن القومى بعد اندلاع بؤرة قتال كبيرة على حدودنا المباشرة، فضلا عن الأعباء الاقتصادية واللوجيستية فى ملف إدارة الجرحى وخروج الأجانب، بجانب آثار الهجمات الحوثية على البحر الأحمر، التى تعرقل سير حركة التجارة العالمية.
أخيرا.. كيف ترى مصير حكومة نتنياهو وهل سنرى محاكمة لكل من حرض على إبادة الشعب الفلسطينى؟
على الحكومة الإسرائيلية أن تدرك أن تكلفة السلام أقل كثيرا من الحرب والقتال، وأنها لن تصل إلى العيش فى أمان دون السلام مع الشعب الفلسطينى، نتنياهو متناقض ولا يعمل لمصحلة بلاده، وسلك الطريق الأصعب الذى سينتهى بخسائر فادحة لن تستطيع إسرائيل تداركها.