مع اقتراب الذكرى الثانية للحرب بين روسيا وأوكرانيا، لا تزال روسيا صامدة فى مواجهة الغرب، وأثبتت قدرتها على تخطى التحديات والصعوبات العسكرية والاقتصادية، بل وتسعى إلى خلق بدائل عن النظام المالى العالمى الخاضع لهيمنة الغرب.
وقالت صحيفة واشنطن بوست إن روسيا تزداد ثقة بأن تعميق علاقتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الصين ودول الجنوب سيسمح لها بتحدى النظام المالى الدولى الذى هيمنت عليه الولايات المتحدة وتقوض الغرب، وفقا لوثائق الكرملين ومقابلات مع مسئولين وقادة أعمال روس.
وذهبت الصحيفة إلى القول بأن روسيا قد تشجعت بنجاحها فى صد الهجوم الأوكرانى المضاد، المدعوم من الغرب، وما تبعه جمود سياسى فى واشنطن وبروكسل حول مواصلة تمويل كييف. ومن وجهة نظر موسكو، فإن الدعم الأمريكى للحرب الإسرائيلية على غزة قد أضر بموقف واشنطن فى مناطق عديدة حول العالم، وقد أدى تضافر الأحداث إلى زيادة التفاؤل بشان مكانة روسيا العالمية.
ويشير المسئولون فى موسكو إلى تنامى التجارة مع الصين والتعاون العسكرى مع إيران والتواصل الدبلوماسى مع العالم العربى، وتوسع مجموعة بريكس، الذى قال عنه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى الأول من يناير إنه يظهر تنامى سلطة المجموعة ودورها فى الشئون العالمية، وأن عملها سيركز على تساوى السيادة. وبدأ الكرملين يشير لنفسه بأنه جزء من الأغلبية العالمية.
ووفقا لوثائق داخلية لمجلس الأمن الروسى، حصلت عليها وكالة استخبارات أوروبية وأطلعت عليها واشنطن بوست، فإنها تشير إلى أن الكرملين عقد اجتماعات خلال العامين الماضيين لبحث سبل تقويض دور الدولار كعملة الاحتياط العالمى. وأشارت إحدى الوثائق إلى أن الهدف النهائى هو تفكيك النظام المالى العالمى الذى أقيم فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والقوة التى يمنحها لواشنطن.
بينما أشارت وثيقة بتاريخ 3 إبريل 2023 إلى أن واحدة من أكثر المهام أهمية هى إنشاء نظام عالمى جديد، وأن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة حاولت فرض هيكلها الخاص المبنى على هيمنتهم.
ودعت وثيقة أخرى كتبها حليف مقرب لرئيس مجلس الأمن الروسى نيكولاى باتروشيف، وتم تداولها فى الكرملين هذا الصيف، إلى تعاون أكبر بين الصين وروسيا فى الذكاء الاصطناعى والأنظمة السيبرانية وإنترنت الأشياء. وكجزء من ذلك، وضعت الوثيقة تصور لإنشاء بكين وموسكو نظام مالى جديد، وعملة رقمية قائمة على أنظمة دفع بديلة لتجاوز الهيمنة الغربية على التحويلات المالية العالمية.
وكان المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف قد نفى أن تكون روسيا تعمل على تقويض هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالى العالمى، لكنه اعترف أنها تهدف إلى خلق بدائل، وتقول إن الإجراءات التى تم اتخاذها من قبل الغرب الجماعى تقوض الثقة بدون لأى مساعدة من موسكو. وأضاف بيسكوف فى تصريحات لواشنطن بوست أن الكرملين يتابع الموقف بحذر ويبنى نظام جديد من الروابط الاقتصادية لأن النظام السابق تبين أنه مزيف وخطير ولا يمكن الاعتماد عليه.
وذهبت الصحيفة إلى القول بأن الاعتقاد بأن روسيا قد أثببت أنها أكثر مرونة عسكريا واقتصاديا عما كان الغرب يتوقع قد عزز مكانة بوتين فى الداخل قبل الانتخابات الرئاسية المقررة فى مارس القادم، لاسيما لدى أعضاء معينين من النخبة الروسية الذين طالما أظهروا شكوكا بشأن الحرب فى أوكرانيا ومخاوف أولية من تأثير العقوبات الغربية.
وقال أكاديمى روسى لديه روابط وثيقة بكبار الدبلوماسيين فى البلاد إنه كان هناك تعزيز مؤكد فى النخبة الروسية، وهناك توقعات محددة بأن الموقف سيتغير لصالح روسيا.
فالمليارديرات الروس، مثل أوليج ديريباسكا، الذى عارض فى البداية الحرب فى أوكرانيا، وقالوا إنها يمكن أن تؤدى إلى أزمة اقتصادية فى روسيا، يرون الآن أن قطيعة روسيا مع الغرب عامل مساعد على إعادة تشكيل الأنماط الاقتصادية العالمية.