بين مطرقة المدافع الحربية وسندان الجوع وانتشار الأمراض، تتفاقم معاناة السودانيين، فى ظل المعارك الدائرة منذ منتصف أبريل 2023، وتشير أرقام المنظمات الدولية إلى مأساة إنسانية لملايين السودانيين بين نزوح وجوع وأوبئة، وسط كل ذلك يبحث السياسيين عن حلول للخروج من الأزمة السودانية دون نتيجة أو آفاق واضحة للخروج من النفق المظلم.
ولانزال حتى الساعة تدور المعارك، حيث أعلن الجيش السودانى تكثيف عملياته فى العاصمة الخرطوم، معلناً تنفيذ عمليات عسكرية "نوعية وناجحة"، بينها تحرير منازل مواطنين اتُخذت ثكنات عسكرية.
وأضاف بيان الجيش: "قصفنا بالمدفعية الثقيلة والمسيرات مواقع تابعة للدعم السريع فى مناطق مختلفة من العاصمة، وتصاعدت أعمدة الدخان بكثافة من شرق النيل وجنوب الخرطوم فى أحياء الامتداد ومحيط المدينة الرياضية وأرض المعسكرات وحى الأزهرى ومحيط سلاح المدرعات وسوبا، وغطت أعمدة الدخان أجزاء واسعة من أحياء كوبر وكافورى ومحيط سلاح الإشارة بمدينة بحرى شمالى العاصمة".
وتابع البيان: "نفذت قوات العمل الخاص بسلاح المدرعات جنوب الخرطوم عمليات عسكرية وصفت بالنوعية والناجحة على خطوط العدو وكبدتهم خسائر كبيرة فى العتاد والأرواح، كما تم تحرير عدد من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين التى اتخذتها قوات الدعم ثكنات عسكرية"، فيما سمع دوى انفجارات قوية فى محيط القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم.
وأمس دارت معارك فى عدة أحياء بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وخلال اليومين الماضيين أدى القتال فى هذه المنطقة إلى مقتل وإصابة العديد من المدنيين وإلحاق أضرار بالبنية التحتية ونزوح واسع النطاق.
ووفقا لمسؤول أممى فى السودان، طوبى هارورد، نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية للسودان (دارفور) "إن تصعيد النزاع سيكون كارثيا بالنسبة لمئات الآلاف من النازحين الذين لجأوا إلى المدينة".
وقال هارورد فى تدوينة على منصة إكس، أن مكتب الأمم المتحدة بالسودان يتلقى تقارير عن تجنيد واسع النطاق لأطفال تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاما فى صفوف الأطراف المتحاربة والجماعات المسلحة فى الفاشر، بما يمثل "انتهاكا خطيرا" لحقوق الطفل والقانون الإنسانى الدولى.
وحتى الأن تسيطر قوات الدعم السريع على 4 ولايات فى دارفور من أصل 5 ولايات، وظل الجيش يحتفظ بمقراته فى الفاشر، كما سيطر الدعم السريع على أجزاء واسعة من إقليم كردفان المجاور لدارفور والعاصمة الخرطوم.
ويتزامن ذلك مع اعتزام وزارة الخارجية الأمريكية تعيين الدبلوماسى توم بيريلو مبعوثاً خاصاً جديداً للسودان، وتقول تقارير أن تعيين بيريلو يهدف إلى إظهار التزام الولايات المتحدة بإنهاء الصراع الذى أودى بحياة أكثر من 12 ألف سودانى وأحبط الجهود الدولية لمساعدة الخرطوم على تطوير اقتصادها.
وعلى الصعيد الإنسانى، أصدرت منظمات دولية أرقام مرعبة تحكى عن مآسٍ يعيشها ملايين السودانيين، ووفق الهجرة الدولية أدت الاشتباكات المسلحة فى مدن متعددة فى جميع أنحاء السودان إلى نزوح ما يقدر بنحو 6,036,176 نازحًا خلال الأشهر التسعة الماضية. قبل 15 أبريل 2023.
وذكر التقرير أنه يستضيف السودان ما يقدر بنحو 9,052,822 نازحًا داخليًا حتى 31 ديسمبر 2023، وهو ما يمثل أكبر أزمة نزوح داخلى فى جميع أنحاء العالم.
وسبق أن حذر تقرير للأمم المتحدة من تفاقم الاحتياجات الإنسانية فى السودان ووفق الأمم المتحدة سيحتاج 24.8 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية عاجلة فى عام 2024، وفقًا للأمم المتحدة فيما لا يتجاوز حجم التمويل العالمى للأزمة 40% مما دعت إليه خطة الاستجابة الإنسانية (فى نهاية عام 2023).
ووفق التقرير الدولى تواجه السودان أزمات متفاقمة ومركبة تسببت فى خسائر فى الأرواح، حيث تشهد نسب كبيرة من النزوح الجماعى، والجوع، والكوليرا، وكلها آخذة فى الارتفاع وتحدث بمعدل ينذر بالخطر لافتا إلى "إن ما بين 70 و80% من المستشفيات فى المناطق المتضررة من النزاع لم تعد تعمل. وهذه الأزمة تتطلب المزيد من الاهتمام والتمويل".
وأشار التقرير انه يوجد حالياً أكثر من 7.4 مليون سودانى نازح، داخل البلاد وخارجها. ويشمل ذلك ما لا يقل عن 1.4 مليون شخص فروا من السودان منذ منتصف أبريل لافتا إلى انه على الرغم من أن العديد منهم ما زالوا يواجهون خطر العنف ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية. داخلياً، هناك ما يقرب من ستة ملايين نازح، مما يجعل السودان البلد الذى يضم أكبر عدد من النازحين داخلياً فى العالم.
فيما يشهد السودان أيضًا أكبر نزوح للأطفال فى العالم، حيث فر 3 ملايين طفل من العنف واسع النطاق. علاوة على ذلك، مع إغلاق 10,400 مدرسة فى مناطق النزاع، ترك الصراع 19 مليون طفل دون الحصول على التعليم، وفقًا لتقرير صدر عام 2023.
وأودت الحرب فى السودان منذ اندلاعها، بأكثر من 13 ألف شخص، وفق منظمة "مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها" (أكليد).
من جانبه قال برنامج الغذاء العالمى للأمم المتحدة، إنه يتلقّى تقاريرَ عن أشخاص يموتون جوعاً فى السودان.
وأوضح برنامج الغذاء العالمى، أن عبور وكالات الإغاثة لخطوط المواجهة فى مناطق الصراع بالسودان بات شبه مستحيل. وأضاف: “نستطيع تقديم المساعدة بانتظام لشخص واحد من كل 10 حالياً فى السودان”.
وحث برنامج الغذاء العالمى، الأطراف المتحاربة فى السودان على تقديم ضمانات لإيصال المساعدات بسلام ودُون عوائق. وطالب أطراف الصراع، النظر لما هو أبعد من ساحة المعركة، والسماح بعمل منظمات الإغاثة.