بينما يستعد العالم لإحياء الذكرى السنوية الثانية لـ حرب أوكرانيا هذا الأسبوع، يتعين على أوروبا أن تطرح على نفسها بعض الأسئلة حول الحرب التى اندلعت بشكل غير متوقع على حدودها وكيف ستنتهى خلال الأشهر الاثنى عشر المقبلة، وأبرزها هل تستمر أوروبا في دعم كييف؟ وإلى متى يمكن أن يستمر الدعم المالى المرهق لأوكرانيا؟
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة لابانجورديا الإسبانية فإن هذا التفكير ليس جديدا، ولكنه يتردد بشكل متزايد في القطاع الخاص في بعض أركان البيروقراطية، كما أنه يعكس العديد من الحقائق القاتمة الحالية، حيث أنه على الرغم من أن الحرب توقفت لبعض الوقت، في حين اضطرت أوكرانيا الأسبوع الماضي إلى الانسحاب من مدينة أفدييفكا الرئيسية بعد أشهر من القتال العنيف، مما يمثل أسوأ هزيمة لها منذ سقوط باخموت في مايو.
وأشار التقرير إلى أنه لا يوجد صوت غربي جاد يريد التخلي عن كييف، ولكن لا يمكن إنكار أن الإرهاق يتزايد مع تصاعد الفواتير، حيث أنه منذ بداية الأزمة، أنفق الاتحاد الأوروبي وحلفاؤه الإقليميون أكثر من مليار دولار لتمويل جهود الدفاع في أوكرانيا، وفقًا لمتتبع دعم أوكرانيا التابع لمعهد كيل.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، اتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على حزمة بقيمة 54 مليار دولار لأوكرانيا بحلول عام 2027. كما تعهدت المملكة المتحدة، التي يمكن القول إنها أكبر لاعب أمني في المنطقة، بتقديم أكثر من 15 ألف مليون دولار لأوكرانيا اعتبارا من عام 2022. وبالنسبة لمعهد كيل، تعهدت الولايات المتحدة وقد أنفقت 66 مليار دولار أمريكي وهناك 60 مليار دولار أخرى في طور الإعداد.
في حين أن الدعم الغربي المدوي لأوكرانيا منذ عام 2022 فاجأ الكثيرين في العالم الدبلوماسي، فكلما طال أمد الحرب، زاد الإرهاق.
وبين عدم وجود نهاية للصراع في الأفق والمنافسة على الاهتمام السياسي في الشرق الأوسط ــ فضلا عن المخاوف المحلية الناجمة عن أزمات تكاليف المعيشة الناجمة عن التضخم في جميع أنحاء العالم ــ فإن إنفاق مبالغ ضخمة من المال على أوكرانيا قد يكون أكثر صعوبة من الناحية السياسية لكي تهضمها الحكومات.
بالإضافة إلى ذلك فإن الضغوط السياسية على الإنفاق سيصبح أكثر وضوحا مع انعقاد انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو، فضلا عن الانتخابات الوطنية في العديد من البلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة، الحليف الرئيسي لأوكرانيا.
ويتعين على المسؤولين الأوروبيين فقط أن ينظروا إلى الصعوبات التي يواجهها الرئيس الأمريكى جو بايدن في التعامل مع الحزمة الخاصة بأوكرانيا لكي يروا التأثير الواقعي المترتب على تمويل حرب خارجية مكلفة عندما تتصل بشكل مباشر بالسياسة الداخلية، ومما يزيد من هذه الانحرافات غير المواتية احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العام المقبل.
ولم يوضح ترامب بوضوح سياسته تجاه أوكرانيا، بخلاف ادعائه بأنه قادر على إنهاء الحرب في غضون 24 ساعة، إن خطاب الرئيس السابق المناهض لحلف شمال الأطلسي، وازدراءه العام للمؤسسات الأوروبية، وإعجابه الغريب ببوتين، معروف للجميع، وهو ما يثير المخاوف الأوروبية من وصول ترامب إلى الرئاسة الأمريكية.
وفي حين لا أحد يعرف ماذا قد تعني رئاسة ترامب أخرى ماديا، فمن المعقول أن نتخيل السيناريو الأسوأ بالنسبة لأوكرانيا، حيث تفقد زخمها على الأرض عندما يقرر الشاغل الجديد للبيت الأبيض أن الولايات المتحدة أنفقت ما يكفي.
وهذا احتمال مثير للقلق بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين الذين يعتقدون بالفعل أن بوتين يختبئ ويحاول انتظار الغرب، ولذلك فإن الأشهر الاثني عشر المقبلة حاسمة بالنسبة لحلفاء أوكرانيا الأوروبيين. ومن الواضح أنه من مصلحة أوروبا القارية ألا ينتصر بوتين في هذه الحرب؛ هناك عدد قليل جدا من الذين يختلفون مع هذا الشعور.
ولذلك، يقول المسؤولون، إنه من الأهمية بمكان أن يسكت الأوروبيون أنوفهم، مهما حدث في الولايات المتحدة، ويواصلوا الإنفاق، مهما بدا الأمر صعبا.
ماذا يحدث للأمن الأوروبى في غياب الولايات المتحدة
في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، سوف يُطرح حتما التساؤل حول ما قد يحدث للأمن الأوروبي في غياب الولايات المتحدة. وفي حين أنه من الصحيح أن الأمن الأوكراني يرتبط بشكل مباشر بالأمن الأوروبي الأوسع، فإن السؤال المباشر حول كيفية دعم كييف يختلف بشكل دقيق عن هدف أوروبا طويل المدى المتمثل في تحقيق قدر أكبر من الاستقلال الأمني عن واشنطن.
هل تستطيع أوروبا الاستمرار في تمويل أوكرانيا إذا سحبت الولايات المتحدة دعمها المالي؟
ويرى معظم المسؤولين أنه يمكن القيام بذلك. سيكون الأمر صعبًا بالتأكيد، لكنه ممكن. وقال مسؤول في الناتو لشبكة CNN على نسختها الإسبانية إن "الاتحاد الأوروبي جيد جدًا في جمع الأموال، وهناك أدوات لم يستخدمها بعد".
وقال المسؤول إنه خلال الأشهر الـ12 المقبلة، يتعين على بروكسل أن تبدأ في دراسة إمكانية استخدام الأموال المقيدة في الأصول الروسية المجمدة للمساعدة في تمويل أوكرانيا. وقالوا: "على الرغم من أنه لا يمكن استخدام هذه الأموال بشكل قانوني لشراء أسلحة، إلا أنه يمكن استخدامها لتغطية تكاليف التعويضات، وتوفير الأموال لشراء الأسلحة من الميزانيات الوطنية وميزانيات الاتحاد الأوروبي".
كما أن الأصوات الدبلوماسية التي تضع أعينها على العالم خارج أوروبا تثير الدهشة في هذا الأمر، ويخشى البعض من أن إرساء سابقة لاستخدام الأصول المجمدة لجمع الأموال للحروب في الخارج يمكن أن يعطي الضوء الأخضر لدول مثل الصين لفعل الشيء نفسه في معاركها الإقليمية الداخلية، حيث قدمت بكين قانونًا جديدًا العام الماضي يسهل القيام بأشياء مماثلة مع الأصول الأجنبية داخل الصين.
الجواب على ذلك سيكون لا، حيث أن أوروبا ببساطة لا تتمتع بالنفوذ التصنيعي في الوقت الحالي اللازم لخدمة أوكرانيا بشكل مستقل على مدى الأشهر الاثني عشر المقبلة.
ومع ذلك، فإن الدبلوماسيين الغربيين متفائلون بأن تسليح أوكرانيا يتوافق تمامًا مع المسعى الأوروبي الذي تشتد الحاجة إليه لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، حيث يشير المسؤولون إلى الاتفاق الأخير، الذي توسط فيه حلف شمال الأطلسي، والذي وافقت بموجبه الدول الأوروبية على شراء ألف صاروخ من شركات أمريكية ليتم بناؤها في مصنع ألماني جديد.
ويتفق الجميع تقريبا على أن الاستعداد الأوروبي لشراء الأسلحة وانتهاج سياسة أمنية مستقلة لا ينبغي أن يأتي على حساب الولايات المتحدة، ويعد تقديم الجزر المتدلية للعقود الأمريكية أحد السبل لمعالجة هذه القضية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة