كلما سمعت اسمها رن في أذني عنوان كتابها "مصر يا ولاد"
يا إلهي..!! كيف منحت هذه السيدة تلك القدرة المعجزة على التأثير والبلاغة بكلمة أو كلمتين؟
ما هذا العنوان الفاتن؟ وما هذه الصيحة الصرخة؟
في لغتنا الدارجة نقول "الكتاب بيبان من عنوانه" لكن في لغة سناء البيسي، الكتاب في عنوانه، فبإمكانها أن تمنحك كل الحمولة الثقافية والمعرفية في العنوان فحسب، من غير أن ينتقص هذا من الكتاب في شيء.
وليس هذا العنوان فحسب، لكن أوردته هنا على سبيل المثال، وهي المثال في كل ما تكتب، وخذ عندك مثلا كتابها المعنون بـ "أموت وأفهم" الذي يبلغك بكل الحيرة والمشاعر المرتبكة والمغامرة من الأسئلة، أو كتاب "الكلام الساكت" لتعرف إن السكوت أيضا بليغ والمقدرة قد تأتي في التعبير بالكلام عن السكوت ورمزيته وسحره.
بالأمس احتفلنا بهذه السيدة السامقة في كتاباتها، والأصيلة في موهبتها، والغنية في تجربتها، والساحرة في معالجتها لأفكارها، والزاخرة بكل أنواع الفنون، والمحملة بكل حكم التاريخ وعبره، فقد حصلت ملكة الكتابة "سناء البيسي" أمس على جائزة الاستحقاق الكبرى من مؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون، بإجماع مجلس الأمناء التي أتشرف بعضويته، وقد كانت جائزة هذا العام على حد تعبير الفنان الكبير "فاروق حسني" جائزتين، الأولى حصلت عليها سناء البيسي، والثانية حصلت عليها المؤسسة بإضافة اسم سناء البيسي إلى قائمة المكرمين.
لا أبالغ هنا أبدا إذا قلت إن حصول الكاتبة الكبيرة سناء البيسي على جائزة الاستحقاق حقق اسمها وأكد على معناها، ولا أعرف كيف تكون في مصر كاتبة بحجم سناء البيسي ولا تكرم ألف تكريم ولا يحتفى بها في كل المحافل، وهي الكاتبة التي لا يختلف على نصاعة قلمها اثنان، والفنانة التشكيلية التي تستعين باللون على ما يستعصى على الحرف، والباحثة بكل حب في تاريخ مصر وفناها وعظمتها، والأديبة التي تكتب القصة والأعمال الدرامية التي استمتعنا بها وتربينا عليه وأشهرها الملسل المبدع "هو وهي" وصانعة الصحافة التي أسست مجلة نص الدنيا فصارت من أهم المجلات التي يتابعها القراء في كل الدنيا؟
أأقول إنها كاتبة من ظراز نادر؟ وما الإضافة في هذا القول؟
لكن الواحد يحتار حينما يتناول قامة مثل هذه القامة الشاهقة؟ فهي التي تغزل الكلمة مع الكلمة بخيوط من ذهب، وهي التي تمدك الجملة مع الجملة بخاصية تفريغ الهواء كما كان يصنع المهندس المصري مع أحجار الأهرام، ثم تزرع مقالاتها في عقلك بوتد من نور فينتشر فيك التأثير، ويعمر إلى ما شئت من العمر.
هي بحالها وعلى حالها مرآة نزيهة لعصر الكلمة النافذة والشغف بالحرف إلى آخر حدود المعنى، هي بحالها وعلى حالها نموذج لفئة انقرضت من أوساطنا الثقافية فئة "الهوانم" فئة "الأميرات" فئة "الكريمات" فئة "صاحبات العصمة" و"ذوات الرفعة" فمثلها بالغ الندرة وشديد التفرد، وبمثلها يقتدي من يريد الاقتداء وترتقي الأوطان والمجتمعات، فهي سناء البيسي.