وجهت مؤسسة الأهرام وباسم مجلة "الطليعة" التى تصدرها دعوة إلى الفيلسوف الفرنسى الشهير "سارتر" وصديقته الكاتبة سيمون دى بوفوار" لزيارة مصر، وفقا لمحمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام وقتئذ فى كتابه "الانفجار"، مضيفا: "كان الزائران وقتها طليعة حركة التجدد الثورى فى فرنسا وأروبا، فضلا عن أن سارتر كان مؤسس المدرسة الوجودية فى الفلسفة، و"دى بوفوار" حليفه الضخم فى معركة إعادة اكتشاف وتجديد حيوية المجتمعات الأوربية فترة منتصف الستينيات وما حولها".
تمت الدعوة باسم توفيق الحكيم كأكبر مفكر سنا وقدرا كما رأت الأهرام، وفقا للكاتبة الصحفية "عايدة الشريف" فى كتابها "شاهدة ربع قرن"، مضيفة، أن لطفى الخولى رئيس تحرير الطليعة كان المشرف على الزيارة، وكان هناك ضيفا ثالثا وهو "لانزمان" الكاتب اليهودى الشيوعى صديق إسرائيل.
استمرت زيارة سارتر 16 يوما، وفى 9 مارس "مثل هذا اليوم 1967" كان اللقاء مع جمال عبد الناصر بحضور هيكل، وتكشف "الشريف"، أن اللقاء كان سيقتصر على سارتر وسيمون، وفجأة أعلن عبدالناصر أنه لا ضير أن يكون معهم لانزمان، لكن تم التخلص من صوره حيث ذهب إلى اللقاء بقميص مفتوح، وكانت يده فى جيبه يراقب الحوارات ولا يشارك فيها، ويجلس وساقه فوق الأخرى، ولم يأبه عبدالناصر إلى هذه التصرفات، لكن المشرفون على الزيارة رأوا أنه لا داعى لنشر صوره التى تؤكد "أن كرمنا العربى المتساهل تجاه مثل هذا الشخصيات المتعجرفة يورطنا".
يكشف هيكل، عن محضر اللقاء، مشيرا إلى أن صفحته الأولى تسجل أن سارتر قال، إنه لم يكن يعرف الكثير عن الثورة المصرية، وما يعرفه كان أكثره من مصادر إسرائيلية وغربية قد تكون معادية لمصر، ويستطيع أن يشهد بهذا العداء بعد أن رأى ما رأى، لكنه يرى من واجبه أن يثير موضوعا آخر يتعلق بحقوق الإنسان، فمنذ أن وصل تلقى فى فندقه خطابات يشكو أصحابها من ضغط واقع عليهم.
رد عبدالناصر: "لست فى حاجة إلى أن أطلب من أجهزة الأمن أن يبحثوا لى عن مرسلى هذه الخطابات، فأنت وأنا نستطيع أن نتصور نوع الناس الذين يعرفون فى مصر عنك وعن السيدة سيمون دى بوفوار، بالطبع أنهم الطبقة التى تقرأ الفرنسية أوغيرها من اللغات الأجنبية وتتابع الأدب العالمي، وأنا لا ألومهم إذا وجدوا سببا لأن يكتبوا إليك، أستطيع وتستطيع معى أن تقطع أنهم من كبار الملاك السابقين، وقد حددنا ملكياتهم ولا أظنهم يحبون ذلك أو يقبلونه، وهم لا يستطيعون وقف حركة الثورة، وبالتالى لا مانع عندهم من أن يشتكوا إلى كل من يتصورون أنه قادر على سماع صوتهم وعلى إسماعه، فهذه هى الطبيعة الإنسانية وأنا أفهمها، ولكنى فى الوقت الذى أرى فيه دموع الأغنياء لا بد أن أتذكر قهر الأغلبية التى كانت غريبة فى وطنها لا تملك فيه شيئا".
أضاف عبدالناصر فى الصفحة الثالثة:"أن الناس بالطبيعة محافظون، والملكية غريزة طبيعية فى الإنسان، فإذا أردت أن تقوم بتغيير فى أوضاع الملكية فإنك لا تصطدم فقط بالغريزة الطبيعية لدى الذين تمسهم إجراءتك فحسب، وإنما تصطدم بالغريزة الطبيعية لكثيرين ليسوا الآن من كبار الملاك، ولكنهم يحلمون كذلك فى يوم من الأيام".
سألت "دى بوفوار" عن تعليم المرأة وتعدد الزوجات وتأثير الدين فى المجتمع وزيادة السكان، فقال عبدالناصر: "لا أريدك أن تأخذى بمقولة أن الإسلام يمكن أن يكون عائقا للتطور، فميزة الإسلام أنه دين مفتوح على كل العصور وكل مراحل التطور، وأنا دائما أنقل عن النبى محمد قوله داعيا الناس إزاء مستجدات العصور: "أنتم أعلم بشئون دنياكم"، وبالنسبة لتعدد الزوجات، لا أرى أن الإسلام يتركها رخصة مفتوحة وإنما مقيدة بشروط تجعل التعدد صعبا بل تكاد تجعله مستحيلا، والدليل على ذلك ما نراه عمليا أمامنا ومؤداه أن ظاهرة تعدد الزوجات تتلاشى تدريجيا فى المجتمع المصري".
سأل سارتر عن إسرائيل، وقال: "هناك مجموعات فى إسرائيل خصوصا من اليسار يتفهمون قضية الشعب الفلسطيني"، فرد عبدالناصر: الموضوع ليس مشكلة تفهم، وإنما يتلخص فى مشكلتين: الأولي، الهجرة لإسرائيل، وباستمرار الهجرة لن تتسع إسرائيل للقادمين إليها وستلجأ للتوسع، وهنا يؤدى إلى الحرب، والمشكلة الثانية أنه إذا كان هناك من يتفهم مشكلة الشعب الفلسطينى كما تقول من اليسار الإسرائيلي، فلا أظن أن لديهم ما هو أكثر من الألفاظ والتعاطف بها، لأن أهم حقوق الشعب الفلسطينى هى حق العودة، فإذا عادوا فسيصبحون أغلبية، وعندئذ تذوب فكرة دولة إسرائيل.
وسأل سارتر عن القضية الرئيسية التى تشغله أكثر من غيرها وهى "الشباب"، فأجاب عبدالناصر:"العالم كله يحاول إخراج الشباب من السياسة ويحاولون إلهاءهم بأنواع من الرقص الجديد، ويحاولون توجيه اهتمامهم إلى الرياضة، وأنا أرى ذلك خطرا كبيرا، القضية التى أتمنى أن أركز عليها هى أن يشعر الشباب أن السياسة هى عملية صنع المستقبل".