مصر والاتحاد الأوروبى.. شراكة استراتيجية شاملة على مدار عقود.. توافق مصرى أوروبى على ضرورة تسوية أزمات الشرق الأوسط.. حرب غزة والسودان على رأس القائمة.. وحماية الملاحة بالبحر الأحمر ضرورة لأمن القارة العجوز

الأحد، 17 مارس 2024 01:00 ص
مصر والاتحاد الأوروبى.. شراكة استراتيجية شاملة على مدار عقود.. توافق مصرى أوروبى على ضرورة تسوية أزمات الشرق الأوسط.. حرب غزة والسودان على رأس القائمة.. وحماية الملاحة بالبحر الأحمر ضرورة لأمن القارة العجوز الرئيس السيسى ورئيسة المفوضية الأوروبية
كتب محمد جمال

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يجرى وفد أوروبى رفيع المستوى زيارة مهمة إلى مصر، فى إطار محادثات من أجل تعزيز الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبى، ويشمل الوفد الأوروبى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين برفقة رئيس الوزراء البلجيكى ألكسندر دى كرو، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلونى ورئيس الوزراء اليونانى كيرياكوس ميتسوتاكيس، وترتبط أهمية الزيارة بكونها تأتى فى إطار تعزيز جهود التعاون الثنائي، جنباً إلى جنب مع كونها تأتى بالتزامن مع سياق عام مضطرب يشهده إقليم الشرق الأوسط فى الفترات الأخيرة خصوصاً فى أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهى الاعتبارات التى تزيد من أهمية الزيارة، وتعزز الحاجة إلى زيادة أوجه التنسيق والتعاون المصرى الأوروبى.

وتأتى زيارة الوفد الأوروبى لمصر، فى ظل سياق إقليمى هو الأكثر اضطراباً منذ سنوات، وذلك على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والممتدة منذ السابع من أكتوبر2023 وحتى اليوم، وعلى الرغم من أن الموقف الأوروبى إجمالاً فى بداية الحرب كان منساقاً وراء السردية الإسرائيلية باعتبار أن "العمليات العسكرية الإسرائيلية فى قطاع غزة، تأتى فى إطار رد الفعل على هجمات السابع من أكتوبر" دون التركيز على السياقات التى ولدت هذه الهجمات، إلا أن هذا الموقف شهد العديد من المتغيرات فى الآونة الأخيرة, تجسدت بشكل رئيسى فى إدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية، والمطالبة بوقف الحرب، والدعوة إلى توسيع وتيرة إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، جنباً إلى جنب مع تحول استراتيجى مهم يتمثل فى التأكيد على ضرورة استعادة مسار السلام العادل وحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ولعل هذه المتغيرات التى طرأت على الموقف الأوروبى كانت نتاجاً لجملة من التداعيات المترتبة على الحرب، والمصاحبة لها، وعلى رأسها ضغوط الرأى العام الأوروبى، والتخوف من مغبة الغوص فى مقاربة الدعم المفتوح لإسرائيل، جنباً إلى جنب مع ما أفرزته الحرب من تداعيات على مستوى الاضطرابات الإقليمية، خصوصاً فى لبنان وفى منطقة البحر الأحمر.

وبالتالى سعت الدول الأوروبية عبر الموقف الجديد إلى الحفاظ على شبكة مصالحها فى المنطقة، وهى المصالح التى يمثل الوضع الإقليمى الراهن تهديداً مباشراً لها، وبالتالى فإن ملف الحرب فى غزة وما خلفته من تداعيات، يُلقى بظلاله على الزيارة الحالية للمسؤولين الأوروبيين إلى مصر، ويزيد من أهمية هذه المباحثات.

التوافقات المصرية الأوروبية حول تطورات المنطقة شهدت الفترة منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم العديد من المباحثات المهمة بين المسؤولين المصريين ونظرائهم الأوروبيين، وخصوصاً المباحثات التى عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسى مع عدد من الزعماء الأوروبيين، على غرار مباحثاته مع المستشار الألمانى فى 18  أكتوبر 2023 بالقاهرة، ومباحثاته فى القاهرة مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى 25 أكتوبر 2023، واستقباله فى 18 نوفمبر لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وكذا استقبال الرئيس فى 24 نوفمبر لرئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دى كرو، ورئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، جنباً إلى جنب مع العديد من المباحثات المباشرة والهاتفية الأخرى مع الزعماء الأوروبيين.

وكان اللافت فى هذه المباحثات هو نجاح مصر فى بناء توافقات مع القادة الأوروبيين حول جملة من التطورات والقضايا المهمة، سواء ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو ما يتعلق بالتطورات فى المنطقة، فعلى مستوى القضية الفلسطينية شهدت المواقف المصرية الأوروبية توافقاً حول جملة من النقاط المهمة وعلى رأسها رفض العمليات العسكرية الإسرائيلية فى قطاع غزة، والمطالبة بوقف إطلاق النار، والتأكيد على ضرورة تكاتف الجهود من أجل التعامل مع الأزمة الإنسانية غير المسبوقة فى القطاع، وذلك عبر زيادة حجم المساعدات الإنسانية التى تدخل إلى قطاع غزة، جنباً إلى جنب مع توافقات بخصوص ضرورة استعادة مسار السلام العادل وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعلى المستوى الإقليمى كانت المواقف المصرية الأوروبية واضحة وتشهد توافقاً كبيراً خصوصاً فيما يتعلق بمسائل رفض توسع رقعة الحرب وضرورة دعم جهود التسوية السياسية فى دول الأزمات، جنباً إلى جنب مع رفض كافة مظاهر تهديد الأمن الإقليمي.

تأتى زيارة الوفد الأوروبى إلى مصر، فى أعقاب اتفاق مصر والاتحاد الأوروبى على رفع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، فى يناير 2024، وذلك على هامش مشاركة مصر فى الاجتماع العاشر لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي، والذى انعقد فى العاصمة البلجيكية بروكسل برئاسة مشتركة مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية "جوزيب بوريل"، وبمشاركة وزير الخارجية المصرى سامح شكري، والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي، وعدد من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى وكبار مسئولى المفوضية الأوروبية وجهاز الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وقد مثل هذا الإعلان تعبيراً عن نظرة الاتحاد الأوروبى لمصر ونمط التعامل السائد فى العلاقات الثنائية، باعتبار مصر شريك موثوق به ويعتمد عليه للاتحاد الأوروبى فى مختلف مجالات التعاون وفى مواجهة مختلف التحديات المشتركة.

من ناحية أخرى، يحظى الملف الاقتصادى بأهمية كبيرة فى إطار التعاون الاستراتيجى المصرى الأوروبى، ولعل أحد الاعتبارات الرئيسية التى تزيد من أهمية زيارة الوفد الأوروبى إلى مصر ترتبط بالتوقيت الذى يشهد إجراءات متسارعة من الدولة المصرية لاستكمال مسار الإصلاح الاقتصادى، خصوصاً فى أعقاب الاتفاق على مشروع رأس الحكمة مع الإمارات، وقرارات البنك المركزى المصرى الأخيرة بخصوص رفع سعر الفائدة بـ 600 نقطة أساس وتحديد سعر الصرف وفقاً لآليات السوق، والاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولى، وهى الإجراءات التى زادت من حجم الثقة فى الاقتصاد المصرى.

وترتبط مصر مع الاتحاد الأوروبى بمجموعة من الاتفاقات الاقتصادية المهمة، فمصر ترتبط مع الاتحاد الأوروبى بعشرات الاتفاقات الاقتصادية، التى تشمل العديد من المجالات التنموية والاقتصادية، كما أن الاتحاد الأوروبى يعد واحداً من أهم الشركاء التجاريين لمصر، وفى ضوء هذه الاعتبارات يمكن القول إن البعد الاقتصادى على المستوى الثنائى سوف يكون على رأس أولويات هذه الزيارة، على قاعدة تعزيز أوجه التعاون، ودعم جهود التنمية المستدامة.

تشكل الزيارة الحالية للوفد الأوروبى إلى مصر، تأكيداً على تعاظم الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وفى هذا الإطار يمكن القول إن أجندة العمل المشتركة للجانبين خصوصاً على المستوى السياسى والإقليمى، تشمل فى الفترة الراهنة العديد من الملفات والأولويات الملحة.

فقد كانت المقاربة الأوروبية تجاه الحرب فى غزة، تقوم على جملة من المقومات الرئيسية، وعلى رأسها تجاوز الانقسامات بداخل الاتحاد تجاه الحرب، وتعزيز العلاقات وأوجه التنسيق والتعاون مع الدول الفاعلة فى الملف الفلسطينى من أجل دعم احتواء هذه الحرب ووقفها، وعلى رأس هذه الدول مصر, على اعتبار أن مصر تظل الفاعل الأهم فى الملف الفلسطينى، لما تملكه من مقومات جيوسياسية مهمة فى هذا الصدد، وعلاقات بكافة أطراف الأزمة، جنباً إلى جنب مع دورها التاريخى المحورى تجاه القضية الفلسطينية.

وفى ضوء هذه الاعتبارات، وفى ضوء سعى الاتحاد الأوروبى لاحتواء الحرب الجارية واستيعاب ضغوط الرأى العام الأوروبى، وعدم خسارة الاتحاد الأوروبى لدوره كوسيط فى أزمات الشرق الأوسط جنباً إلى جنب مع السعى للحد من تداعيات هذه الحرب، وفى المقابل الموقف الثابت لمصر من تطورات الحرب، وهو الموقف الذى يقوم على دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وضرورة وقف هذه الحرب، سيكون ملف الحرب فى قطاع غزة، من حيث حلحلة الملفات العاجلة على غرار الهدنة الجديدة ودخول المساعدات لقطاع غزة على رأس أولويات العمل المصرية الأوروبية فى الفترات المقبلة.

كان ملف التداعيات الإقليمية للحرب فى قطاع غزة، على رأس أولويات الاهتمام المصرية الأوروبية فى الفترات الأخيرة، خصوصاً ما يتعلق بحالة الاضطراب التى نشأت فى البيئة الأمنية لمنطقة البحر الأحمر، على اعتبار أن هذه الاضطرابات تحمل تداعيات سلبية على مصر فيما يتعلق بقناة السويس) وكذا بالنسبة للاتحاد الأوروبى الذى يمثل هذا الممر المائى أحد أهم ممرات التجارة ومصدراً مهماً للأمن الطاقة الأوروبى.

ولعل أهمية هذا الملف بالنسبة للاتحاد الأوروبى تجسدت بشكل واضح فى الإعلان فى 19 فبراير الماضي، عن تأسيس قوة بحرية جديدة تحت مسمى "خطة أسبيدس"، بهدف حماية الملاحة البحرية فى البحر الأحمر, على أن تبلغ ميزانية مهمة "أسبيديس" نحو 8 ملايين يورو توفرها خزانة الاتحاد الأوروبي.

وفى المرحلة المقبلة سيتم إعداد خطة العمليات وقواعد الاشتباك وتشكيل القوة البحرية والجوية التى ستتولى الدوريات فى أجواء مياه البحر الأحمر، ويبدو أن الاتحاد الأوروبى يسعى عبر هذا التحرك إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية، وعلى رأسها تأمين الملاحة فى البحر الأحمر من خلال مسارين الأول هو حماية السفن الأوروبية التى تعبر من خلال البحر الأحمر والثانى هو التنسيق المنظم مع المهام الأمنية الأخرى المعنية بتأمين الملاحة البحرية على غرار قوة "أتالانتيك"، و"أجينور"، و"حارس الازدهار"، لكن الاتحاد الأوروبى حتى وإن تبنى الخيار العسكرى على مستوى التعامل مع هذه التحديات، إلا أن كافة المؤشرات التى صاحبت تاسيس "أسبيدس" وما تبعها، تكشف غلبة الطابع الدفاعى على عمل القوة، فى إشارة إلى صد الهجمات المحتملة ضد الملاحة البحرية فى منطقة البحر الأحمر، وهو نهج يتفق وهدف الاتحاد الأوروبى المعلن منذ بداية التصعيد, والمتمثل فى ضرورة تحقيق ردع للحوثيين عبر آليات تضمن خفض التصعيد ومنع اتساعه، وكذا الحفاظ على حرية الملاحة البحرية.

من ناحية أخرى،  تحظى التجربة المصرية فى مكافحة التطرف والإرهاب بإشادة وتقدير كبير من قبل الاتحاد الأوروبي، وينظر الاتحاد الأوروبى إلى مصر باعتبارها شريكاً استراتيجياً مهماً فى ملف مكافحة الإرهاب، وفى هذا السياق تتصاعد التخوفات الأوروبية حالياً بخصوص التهديد الإرهابى، وذلك على خلفية بعض الاعتبارات الرئيسية، وعلى رأسها احتمالية تصاعد موجات الهجرة إلى الاتحاد الأوروبى من منطقة الشرق الأوسط بما يحمله ذلك من تداعيات أمنية خطيرة، وكذلك تصاعد تهديد "الذئاب المنفردة" فى أوروبا خصوصاً على خلفية الحرب فى غزة، جنباً إلى جنب مع احتمالية استغلال بعض التنظيمات الإرهابية فى المنطقة لحالة الاضطراب الراهنة، من أجل إعادة بناء قواعدها واستعادة نشاطها، وهى اعتبارات تزيد من الحاجة إلى تنسيق أمنى واستخباراتى أكبر بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى.

وتعتبر استمرار الأزمات التى تشهدها بعض البلدان فى المنطقة، تهديد مباشر بالنسبة لمصر والاتحاد الأوروبى، خصوصاً فى ليبيا والسودان واليمن ولبنان، وهى التهديدات التى يحمل بعضها طابعاً أمنياً، جنباً إلى جنب مع تهديدات إنسانية واستراتيجية أخرى، خصوصاً على مستوى تنامى وطأة الأزمات الإنسانية، وتنامى موجات الهجرة واللجوء واحتمالية عودة النشاط الإرهابي، بالإضافة لمجموعة من التداعيات الاقتصادية، وفى هذا السياق يمكن القول إن هناك جملة من القواسم المشتركة على مستوى المقاربة المصرية الأوروبية للتعامل مع هذه الأزمات، خصوصاً ما يتعلق بضرورة تقديم الدعم الإنسانى لشعوب هذه الدول، والعمل الدبلوماسى والسياسى على الوصول إلى تسوية سياسية لهذه الأزمات، وإنجاز الاستحقاقات الدستورية فيها بناءً على خريطة طريق توافقية والسعى لتوحيد المؤسسات الأمنية وإعادة بناء قدرات الجيوش، وهى اعتبارات تزيد من فرص التعاون بين الجانبين فى مواجهة التهديدات المتصاعدة المترتبة على استمرار هذه الأزمات.

وجنباً إلى جنب مع الملفات الخاصة بدول الأزمات ينظر الاتحاد الأوروبى إلى مصر باعتباره شريكاً استراتيجياً رئيسياً فى مجال الطاقة، خصوصاً فى ضوء الدور الرئيسى لمصر والمحورى فى منتدى غاز شرق المتوسط والجهود الحالية لتعظيم الدور المصرى كمركز إقليمى ومحورى لتجارة وتداول الغاز الطبيعى فى المنطقة.

وتحمل زيارة الوفد الأوروبى إلى مصر، أهمية كبيرة فى ضوء السياق الإقليمى الذى تأتى فيه، جنباً إلى جنب مع كونها تعبيراً عن حجم الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين على قاعدة تعظيم المصالح المشتركة، ومواجهة التهديدات والتحديات المشتركة فى المنطقة، كما أن الزيارة تمثل فرصة كبيرة لتعزيز أوجه التعاون فى مواجهة حالة الاضطراب الإقليمى الراهنة.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة