حالة من الشراكة باتت تشهدها العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي، تمثل ترجمة واقعية للانطلاقة القوية، التي حققتها الدولة المصرية، نحو تعزيز علاقاتها، مع العديد من القوى الدولية، في إطار تنويع الشراكات، وهو ما تحقق عبر مسارين رئيسيين، أولهما النجاعة الكبيرة التي اتسمت بها الدبلوماسية المصرية، في تقديم نفسها باعتبارها قوى إقليمية مؤثرة، يمكنها تحقيق أكبر قدر من الاستقرار الإقليمي، من جانب، بينما يبقى المسار الآخر، قائما على تحقيق إصلاحات كبيرة في العديد من المجالات، وفي مقدمتها البعد الاقتصادي، وهو ما بدا في المشاريع العملاقة التي دشنتها في العشر سنوات الأخيرة، والتي اتسمت بتنوعها وامتدادها الجغرافي، لتراعي كذلك كافة أبعاد التنمية المستدامة، والتي تمثل أولوية قصوى في أجندة "الجمهورية الجديدة".
ولعل الحديث عن البعد الأول المتجسد في قدرة مصر الكبيرة على تحقيق الاستقرار الإقليمي، يمثل في جوهره أهمية قصوى لأوروبا، سواء على المستوى الفردي، في إطار الدول، أو جمعيا، في صورة الاتحاد، وهو ما تجلى في العديد من المشاهد، ربما تبقى أزمة العدوان على قطاع غزة أحدث حلقاتها، حيث تحولت مصر، خلال ما يزيد عن خمسة أشهر، إلى قبلة الزعماء وكبار المسؤولين الأوروبيين، في ظل الحاجة الملحة للتنسيق مع القاهرة، من أجل التوصل إلى حلول، من شأنها إنهاء الأزمة، والتحول نحو التفاوض، بل أن عددا من الدول الأوروبية، ومسؤولي "أوروبا الموحدة"، باتوا يتحدثون جديا عن سبل تحقيق استقرار مستدام، عبر العودة إلى الشرعية الدولية، من خلال تحقيق حل الدولتين، وهو ما يمثل استجابة قوية للدعوات التي تبنتها الدولة المصرية منذ بدء العدوان، خاصة خلال قمة "القاهرة للسلام"، والتي استضافتها على أراضيها، في أكتوبر الماضي، وهو ما يعكس تغييرا كبيرا في المواقف إذا ما قورنت بالدفاع المطلق عن إسرائيل في البداية، خاصة وأن استمرار العدوان أصبح يتلامس بشكل مباشر مع الأوضاع الاقتصادية وحياة المواطنين، مما يضع الحكومات الأوروبية في حرج شديد.
النجاعة المصرية، لم تقتصر فقط على القضايا ذات الطبيعة السياسية المطلقة، وإنما امتدت إلى العديد من الجوانب الأخرى، منها قضايا الإتجار بالبشر، ومسألة اللاجئين، وهي القضية التي تمثل أولويات كبيرة للقارة العجوز، خاصة مع تراجع الاقتصاد، وارتفاع موجات التضخم، والتي تعكس أزمة حقيقية للمواطن الأوروبي جراء الارتفاع الكبير في الأسعار.
بينما يبقى المسار الثاني مرتبطا بحجم الإنجاز الذي حققته الدولة المصرية خلال عقد واحد من الزمان، تجسد في عملية إصلاح شاملة، بدءً من مشروعات البنية الأساسية التي من شأنها تحقيق طفرة كبيرة، ناهيك عن تنويع مصادر الطاقة، واستكشاف الإمكانات التي تمتلكها الدولة المصرية، عبر الاعتماد على الطاقة النظيفة، في حين اعتمدت نهجا تنمويا جغرافيا واسع النطاق، عبر اقتحام المناطق المهمشة، والعمل على الاستفادة من إمكاناتها، لتحقيق طفرة في مختلف المجالات بين الزراعة والصناعة، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، مما يساهم في تحقيق حالة من الرواج الاقتصادي، واحتواء البطالة، بالإضافة إلى ضخ العملة الأجنبية في السوق المحلي، وبالتالي تقويض أزمة العملة.
وفي الواقع، تمكنت مصر من اقتحام القارة، تدريجيا، عبر تحقيق تقارب مع دولها، عبر عقد الشراكات، التي تجاوزت "الثنائيات" التقليدية، منها الشراكة الثلاثية، مع اليونان وقبرص، والتي أسفرت عن ميلاد منتدى غاز شرق المتوسط، والذي ضم حوالي 10 دول بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، بالإضافة إلى تعزيز العلاقة مع تجمع "فيشجراد"، والذي يضم دولا محورية في أوروبا الشرقية، ناهيك إلى تعزيز علاقاتها مع كل من فرنسا وإسبانيا وبلجيكا، وهولندا، عبر شراكات مهمة، ارتبطت في جزء منها بالطاقة النظيفة، منها على سبيل المثال إطلاق المنتدى العالمي للهيدروجين الأخضر بين مصر وبلجيكا في 2022، على هامش قمة المناخ التي عقدت في شرم الشيخ.
التقارب الأوروبي مع مصر، يمثل في جانب آخر، أولوية مهمة للقارة العجوز، في ظل مساع تقودها العديد من دول القارة نحو تعزيز علاقاتها بالعالم الخارجي، في ظل رغبتها في تحقيق قدر من الاستقلالية عن الولايات المتحدة، خاصة مع صعود الدور الذي باتت تلعبه القوى الإقليمية المؤثرة في مختلف مناطق العالم، وقدرتها على تحقيق مشاركة ملموسة في صناعة القرار الدولي، خاصة مع تصاعد الأزمات في أوروبا بصورة كبيرة، بعد اقتراب الصراعات من محيطها الجغرافي، على غرار الأزمة الأوكرانية، بالإضافة إلى المواقف التي تبنتها الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، والتي عكست حاجة أوروبا إلى عدم الاعتماد على حليف واحد، وبالتالي التحول نحو تنويع التحالفات بصورة أكبر.