سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 19 مارس 1969.. أم كلثوم فى حفلها بمدينة بنغازى لصالح المجهود الحربى والمقاومة الفلسطينية ترد على أحد الحضور من بين عشرة آلاف: «اخرس.. قليل الأدب»

الثلاثاء، 19 مارس 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 19 مارس 1969.. أم كلثوم فى حفلها بمدينة بنغازى لصالح المجهود الحربى والمقاومة الفلسطينية ترد على أحد الحضور من بين عشرة آلاف: «اخرس.. قليل الأدب» أم كلثوم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

توافد عشرة آلاف مستمع على السرادق الكبير فى ملعب 24 ديسمبر بمنطقة البركة فى مدينة بنغازى، لحضور الحفل الثانى لسيدة الغناء العربى أم كلثوم بالمملكة الليبية يوم 19 مارس، مثل هذا اليوم، 1969، حسبما يذكر كريم جمال فى كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربى».

جاء حفل بنغازى بعد حفل طرابلس يوم 12 مارس 1969، وذلك ضمن حفلاتها لدعم المجهود الحربى بعد هزيمة 5 يونيو 1967، وكان هناك هدف إضافى لحفلتى ليبيا وهو دعم المقاومة الفلسطينية، ولهذا أشرفت كوادر حركة فتح على التنظيم.

يذكر «جمال» أن حفل بنغازى كان فى مقدمة حضورها، عبدالله عابد السنوسى أحد أهم أقرباء ملك ليبيا إدريس السنوسى ونسيب ولى عهده، ووزراء ودبلوماسيون عرب والسفير المصرى أحمد رياض، والسيدة نهلة القدسى زوجة الموسيقار محمد عبدالوهاب، ووفد أدباء المغرب العربى الذى كان مجتمعا فى ليبيا وحضر على طائرة من طرابلس، كما حضر الفنان عمر الحريرى، الذى كان يعمل فى ليبيا لتدريب الفرق المسرحية.

فى تقدير كريم جمال، أنه كان من الممكن ألا يحظى هذا الحفل باهتمام لولا ما جرى فى وصلته الثانية وجعله تاريخيا بامتياز، فبعد أن عزفت الفرقة مقدمة أغنية «بعيد عنك حياتى عذاب»، بدأت أم كلثوم فى غناء المذهب ليقابلها الجمهور بتصفيق حاد، ووسط الصراخ والهتاف ومطالبة بالإعادة، سمعت أم كلثوم كلمة بذيئة من أحد الحضور، فغضبت لتقول بصوت واضح ومسموع «اخرس.. قليل الأدب».

يؤكد «جمال» أن العبارة صدمت كل من فى المسرح، لكن أم كلثوم أعطت إشارة للفرقة بإعادة المذهب الأول حتى تتجاوز الموضوع، وبالفعل أعادت المذهب وأضافت إليه ارتجالا سريعا فى محاولة منها لتخطى تلك اللحظة الحرجة، فغنت وتجاوبت مع طلبات الإعادة، وتميزت الوصلة بتفاريد جديدة، لا سيما تفاريد الإعادة الثالثة للمقطع الأول الذى يعتبر واحدا من أجمل تفاريد أم كلثوم.

يذكر «جمال» أنه بعد نهاية الحفل بحث كثيرون عن تلك الكلمة التى أغضبت أم كلثوم، ورغم محاولات التدقيق الشديد فى التسجيل الإذاعى الذى أفرجت عنه الإذاعة المصرية فى مارس 2010 بعد ما منعت أم كلثوم إذاعته، لم يستطع أحد أن يميز تلك الكلمة لتداخلها مع هتاف الجمهور، لكن أم كلثوم استطاعت من موقعها أن تميزها بشدة، ويذكر «جمال» أن معظم المصادر وشهود العيان يؤكدون أن المعجب قال لأم كلثوم: «عيدى يا مرا عيدى»، وهى كلمة دارجة فى العامية الليبية تستخدم فى النداء على السيدات، لكن أم كلثوم بحكم ثقافتها المصرية، لم تستسغ كلمة «يا مرا» التى تقال عادة فى المجتمع المصرى على سبيل التحقير والإهانة.

يكشف «جمال» أنه بعد يومين من الحفل، بدأت الأزمة تكبر وتحتل موقعا مميزا فى تحقيقات الصحف والمجلات الليبية، بعد أن نشرت صحيفة «الحقيقة» الليبية رسالة غاضبة من مواطن ليبى مجهول، بدأها بمدح أم كلثوم ثم تحول تدريجيا فى رسالته إلى النقد الصريح، ليسأل المواطن فى نهاية رسالته عن الذى قصدته أم كلثوم بقلة الأدب، ويحاول بشتى الطرق أن يربط كلمتها العابرة بموقفها من الشعب الليبى ذاته.

يضيف «جمال» أن صحيفة «الحقيقة» حاولت تخفيف وطأة الهجوم، فوعدت بأنها ستوفد أحد مسؤوليها إلى منزل عبدالله السنوسى ليقابل أم كلثوم لتوضيح موقفها، وبالفعل ذهب محرر صحفى وبعد نقاش طويل، قالت أم كلثوم: إنها تستغرب جدا من تلك الحساسية الزائدة عن الشعب الليبى، وأبدت استغرابا أشد حين فهمت أن الإساءة جرحت كبرياء كل الذين سمعوها وشاهدوها، وقالت: «ما أنا كان ممكن أقولها فى مصر أو فى أى بلد تانى»، وبعد أخذ ورد ونقاش مستفيض، قالت أم كلثوم: إنها كانت تعنى بالسب شخصا مصريا ممن يسافرون خلفها فى كل حفلاتها الخارجية، وإنها حاولت إسكاته لكن ظل على جنونه الذى أزعجها، ودفعها بالتالى أن تسبه بالطريقة التى سبته أمام الجماهير.

لم يقنع هذا التفسير أقلاما ليبية يسارية فهاجمت أم كلثوم فى صحف ليبية محدودة، ويذكر «جمال» أن الهجوم تركز على نقطة واحدة: كيف نغنى للحب ونحن نعيش فى المعركة؟ ويؤكد «جمال» أن هذه الأصوات كانت قليلة، أمام صوت الجمهور الذى رحب بها واستقبلها أفضل استقبال، ولذلك وافقت على عرض الأديب الليبى الكبير على مصطفى المصراتى، رئيس اللجنة العليا للفنون والآداب فى المملكة الليبية، على عرضه بأن يجرى معها حديثا مطولا سيكون فصلا فى كتاب له بعنوان «حوار مهم»، وقالت فيه: «إنها سعيدة بالغناء أمام الجماهير الليبية، وحدثته عما لاقته من كرم الضيافة، وأشادت بقدرة الجمهور الليبى على حسن الاستماع، وأكدت أن الجماهير التى حضرت الحفلين كانت فى غاية الانضباط على الرغم من غياب الرقابة وعدم وجود تنظيم حقيقى يحكم تصرفات الجماهير».







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة