يبدو الهجوم الذى شنه الاحتلال الإسرائيلى على منظمة المطبخ العالمى، كان كاشفا إلى حد كبير، ليس فقط فيما يتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، واستعدائها للمنظمات الإغاثية التي تعمل في المجال الإنساني، وهو ما تجلى في العديد من المشاهد، أبرزها محاولاتها المستميتة لتقويض دور الأونروا، قبل ذلك، بالإضافة إلى إعاقتها لتمرير المساعدات إلى القطاع منذ بدء العدوان الغاشم، وإنما أيضا للعديد من الثغرات في المواقف الدولية، لتعزيز عملية مرور المساعدات، رغم البيانات، والخطابات، بل وأحيانا بعض الخطوات العملية، التي تتخذها بعض الدول الغربية، ولكنها لا تبدو كافية على الإطلاق، وهو ما يعكس أولوية دعم الموقف الإسرائيلي على حساب الجانب الإنساني، وهو ما يمثل ضربة قوية للمعايير التي وضعها العالم على كاهله منذ عقود.
الموقف الدولي من قضية مرور المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، يبدو منصفا من الناحية الخطابية، في ضوء ضغوط أوروبية أمريكية على إسرائيل من أجل عدم إعاقتها، إلا أن الذرائع الإسرائيلية، والتي لا تحمل منطق في كل الأحوال، ساهمت في تعزيز النهج المتعنت الذي تتبناه الدولة العبرية، وهو ما يبدو على سبيل المثال، في تشييد الولايات المتحدة لميناء مؤقت على شاطئ قطاع غزة، لنقل المساعدات عن طريق البحر، ليكون تحت حماية إسرائيل، بينما يتولى مسؤولين أمريكيين تفريغ الشحنات وتوزيعها على سكان القطاع، وذلك للاستجابة للمطالب التي تتبناها حكومة نتنياهو بإغلاق المعابر البرية الأخرى، تحت ذرائع أمنية.
وفي الواقع، يبقى المشهد الأخير، والمتمثل في الهجوم الوحشي على فريق عمل منظمة المطبخ العالمي، والذي يتولى توصيل المساعدات الإنسانية للقطاع والقادمة عبر البحر، دليلا دامغا على خطة الاحتلال الإسرائيلي، والتي تهدف في الأساس إلى تقديم بديل هلامي للمعابر، من خلال سيطرتها على الميناء، بينما تصبح الفرق الإغاثية العاملة بها تحت نير قصفها العشوائي، مما يساهم في نهاية المطاف عن انسحابهم، وهو ما حدث بالفعل من قبل المنظمة المذكورة والتي قررت وقف عملياتها في القطاع بشكل فوري، مؤقتا، بعد مقتل سبعة أشخاص من موظفيها بغارة إسرائيلية.
وهنا تتضح خيوط المخطط الإسرائيلي المشبوه، والقائم في الأساس على إحكام الحصار على سكان غزة، من أجل إجبارهم على ترك أراضيهم في قطاع غزة، بغية تصفية القضية الفلسطينية، من خلال الإمعان في تجويعهم، في الوقت الذي تمارس فيه أشد أنواع الانتهاكات بحقهم، بينما تحتال على العالم، عبر تصدير شكوك أمنية حول المعابر البرية، تدفع نحو استخدام البحر كممر وحيد للمساعدات، ليكون خاضعا تحت سيطرتها، بينما ترهب موظفي المنظمات الإنسانية باستهدافهم، حتى لا يكون هناك أي متابعة دولية للطريقة التي تدار بها عملية تمرير المساعدات، وكيفية توزيعها.
ولعل القصف الإسرائيلي المشين، الذي استهدف أعضاء منظمة إغاثية، من أصحاب الجنسيات المختلفة، يعد كاشفا لحقيقة الادعاءات الإسرائيلية، والهدف من ورائها، مما يعكس ضرورة الانتباه إلى أهمية ما يمكن تسميته بـ"تنويع المداخل" التي يمكن من خلالها تمرير المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، في الوقت الذي ينبغى فيه تكثيف المتابعة الدولية لعملية إدارتها، لضمان وصولها إلى أهالي القطاع، خاصة وأن سلاح التجويع يمثل أحد أهم أدوات الاحتلال لإجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم، وأرضهم، وبالتالى حرمان الدولة الفلسطينية المنشودة من أحد أهم عناصرها وهو الشعب، وهو ما يصب فى النهاية في صالح الهدف الرئيس لليمين الإسرائيلى، وهو تصفية القضية، والقضاء الكامل على حل الدولتين.
وتعد المعابر البرية، وفى القلب منها معبر رفح، قد لعبت دورا رئيسيا في توصيل المساعدات الإنسانية، لغزة، حيث ساهمت، رغم التعنت الإسرائيلي في توصيل شحنات غذائية إلى سكان القطاع، وذلك بالرغم من التعنت الإسرائيلي، وتكثيف التفتيش الأمني من قبل السلطات العبرية، وهو ما يعكس حقيقة مفادها أن الشكوك التي يسعى الاحتلال إلى تصديرها إلى العالم، بشأن المساعدات ما هي إلا مجرد أوهام، يسعى من خلالها تعطيل الجانب الإنساني، من أجل تحقيق أهدافه، والتي تبتعد كل البعد عما أعلنه منذ بدء العدوان.