خلال موسم دراما رمضان الأخير، قدمت الشركة المتحدة واحدا من أضخم الإنتاجات الدرامية العربية في السنوات الأخيرة، وهو مسلسل "الحشاشين" بطولة النجم كريم عبد العزيز وإخراج بيتر ميمي، ومن تأليف الكاتب والسيناريست عبد الرحيم كمال، والذي رصد تاريخ واحدة من أخطر الفرق في تاريخ الإسلام، وصاحبها شيخ الجبل الداهية المجنون الحسن بن الصباح، ورغم الكثير من الألغاز والأساطير التي وضعها المستشرقون والمؤرخون حول تلك الفئة الغريبة إلا أن عبد الرحيم كمال قدم فى معالجته إعادة تركيب وردم الفجوات الموجودة فى الأسطورة عن الصباح وجماعته.
حقق المسلسل نجاحا كبيرا، ليس فقط على المستوي الفني لكنه كذلك جعل الجمهور يضع المقارنات ويربط بين حكائية الماضي وسردية الواقع الحالي ويحاول إعادة تركيب صورة لما يعانيه العالم من الجماعات المتطرفة في السنوات الأخيرة، وما كان عليه العالم في القرن الحادي عشر الميلادي، وهو أيضا ما فتح الباب أمام تساؤلات أخرى، هل هناك جماعات أخرى أكثر دموية من الحشاشين؟ وهل تستحق تلك الجماعات تقديم أعمالا درامية تاريخية تتناول قصتهم؟
القرامطة
في الواقع التاريخ ملئ بالكثير من الجماعات الدموية التي فعلت باسم الدين جرائم ومذابح بشرية، لعل من تلك الجماعات والفرق الغريبة كانت فرقة القرامطة، والتي حملت هذا الاسم نسبة إلى الدولة القرمطية التى انشقت عن الدولة الفاطمية، وقامت إثر ثورة اجتماعية وأخذت طابعا دينيا، وكان مقر دولتهم بمحافظة الأحساء الحالية فى شرق الجزيرة العربية، ومن جرائمهم سرقة الحجر الأسود من بيت الله الحرام.
والقرامطة منشقون فى الأصل عن الحركة الإسماعيلية، واعتقدوا بعودة الإمام محمد بن إسماعيل فى صورة المهدى المنتظر، وظنوا بأن الإمام عبيد الله المهدى خدعهم، فأوقفوا الدعوة له، وعارضوا مسألة العصمة، وكان القرامطة يبيحون سفك دماء خصومهم، فأثاروا الرعب والإرهاب فى البصرة والأحواز خلال ثورة الزنج.
ووفقا لكتاب "ظهر الإسلام" اشتهر من أول الدعاة حمدان القرمطي، وقد عرفت الدعوة باسمه، وقد كان حمدان هذا أكّارًا بسيطًا بعثه أحد كبار دعاة العلوية ليدعو نيابةً عنه في تلك البلاد، فبنى مركزًا جديدًا للدعوة الإسماعيلية قرب الكوفة، سماه دار الهجرة، واتخذه مكانًا للدعوة والوعظ، فدخل في دعوته كثير من الناس، وقد فرض الضرائب على أتباعه يصرف منها على الفقراء والتأسيسات، وقد روي عنه أنه جمع من أتباعه أموالًا كثيرة، وزّعها على المحتاجين من القرامطة، حتى لم يبق بينهم فقير، ولذلك يمكن أن يعدوا من أول الجمعيات الاشتراكية.
ويوضح الكتاب أن دعوة تلك الجماعة خرجت في بداية الأمر من البحرين وعملت ضد الخلافة العباسية، وبعد أن انتشرت الدعوة في البحرين انتشارًا كبيرًا في عهد الخليفة المعتضد أرسل جيشًا لمقاومة الحركة، لكن جيش الخليفة انكسر، وأسر قائده، وتبددت جنوده، وقتل من وقع في الأسر منهم، وقد زحف القرامطة على البصرة، ونهبوها سنة 315 هجرية حتى ضج الناس، وشملهم الرعب، ونسبوا انتصارهم إلى قوى روحية تساعدهم، والحق أن قوتهم كانت في قوة إيمانهم بعقيدتهم مما يدعوهم إلى ثباتهم.
وكان من جملة ما نهبه القرامطة من مكة الحجر الأسود، وبقي هذا الحجر في الأحساء ملقى في إحدى زوايا المدينة مهجورًا إلى سنة 339ﻫ؛ حيث ردّه القرامطة بأمر من المنصور الفاطمي، مضت سنة على هذه الحوادث الأليمة، والخلافة لم تستطع تعقبهم، ولا تأديبهم، فلما رأى القرامطة ضعف الخلافة، زحف أبو طاهر مرة أخرى على الكوفة واحتلها، واضطر الخليفة أن يعقد معه هدنة، ويؤدي له مائة وعشرين ألف دينار كل سنة.
علاقة القرامطة بـ مصر
مثلما كان بداية الدعوة النزارية التي أسسها الحسن بن الصباح من مصر بعدما قتل الأمير بدر الدين الجيوشي نزار بن الخليفة المستنصر بالله الفاطمي، كانت نهاية القرامطة من هنا وبالتحديد على يد الدولة الفاطمية، حيث بدأ الفاطميون بمحاربة القرامطة، بعد أن انتزع القرامطة الحجر الأسود من الكعبة، وأرسل الخليفة الفاطمى المهدى العلوى رسالة تهديد إلى أبو طاهر القرمطى يأمره برد الحجر الأسود إلى الكعبة، ويحذره أنه إن لم يرد أموال أهل مكة التى سرقها وإرجاع الحجر الأسود إلى مكانه، فإنه سيأتيه بجيش لا قِبل له بهم، أذعن القرامطة للتهديد، وأعادوا موسم الحج، بعد تعطيله لمدة تقارب الاثنين وعشرين سنة.
فى عام 931 م سلم أبو طاهر الجنابى -وهو قائد القرامطة فى البحرين- زمام الدولة فى البحرين إلى شاب فارسى كان قد رأى فيه المهدى المنتظر، لكن ثبت أن ذلك القرار كان مدمرا بالنسبة للحركة القرمطية، فقد أقدم ذلك الشاب على إعدام بعض أعيان دولة البحرين حتى وصل الأمر إلى سب محمد والأنبياء الآخرين الأمر الذى هز القرامطة والمجتمع الإسلامى ككل مما اضطر أبا طاهر للاعتراف أنه قد خدع وأن هذا الشخص دجال وأمر بقتله، لم تدم زعامة الشاب الفارسى إلا 80 يوماً إلا أنها أضعفت نفوذ القرامطة وكانت إيذانا ببداية نهاية دولتهم.