تصعيد جديد أقدمت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية اليوم الإثنين، حيث بدأت إسرائيل أنشطة عسكرية موسعة في مدينة رفح الفلسطينية، من شرق رفح، للعمل على إخلاء المناطق شرق المدينة من النازحين والسكان للتحرك في اتجاه مناطق الإيواء في خان يونس ودير البلح ومنطقة المواصي، ما يهدد مسار مفاوضات التهدئة ، ويخلق واقعاً جديداً علي الأرض ، تمتد أثاره إقليميا ودوليا ، وذلك بحسب تقرير نشره المركز المصري للفكر والدراسات.
وبحسب تقرير المركز، يبدو أن موجة التصعيد الأخيرة بمثابة إعلان محتمل عن بدء عملية اجتياح رفح بشكل فعلي، حيث وظف نتنياهو وحكومته الهجوم الذي شنته حماس على قاعدة عسكرية في محيط معبر كرم أبو سالم، كذريعة لبدء هذا النشاط العسكري والذي بدأته بإعلان إغلاق معبر كرم أبوسالم، وبالتالي تهديد انهيار المفاوضات القائمة.
وبمقدمة المؤشرات والدوافع التي قادت إلى عملية رفح ـ بحسب المركز ـ يأتي رفض نتنياهو وإسرائيل خلال المفاوضات الأخيرة قبول أي مقترح حول أن تشمل صفقة الأسرى والهدنة أي التزام إسرائيل بإنهاء الحرب، بل والتأكيد أن عملية رفح ستتم سواء تم التوصل لاتفاق أم لا. وكان هناك إجماع على هدف الاجتياح في مجلس الحرب والكابينيت الإسرائيلي وداخل كل المؤسسات الأمنية الإسرائيلية, على عملية اجتياح رفح، والتباين فقط بينهم كان حول البدء في العملية الآن أم تأجيلها لحين الوصول لصفقة لتحرير الرهائن .
وبحسب التقرير، فإن الشارع الإسرائيلي لا يرفض اجتياح رفح باستثناء أسر الرهائن"، واستكمال عملية تدمير حماس، بقدر كان هناك انقسام فقط حول التوقيت وألا تهدد حياة الأسرى والرهائن لدى حماس. كذلك فإن كل مراكز الأبحاث والتفكير الاستراتيجية في إسرائيل تعاطت مع هذا الهدف كأمر واقع لا يمكن الهروب منه أو التنازل عنه لاستعادة عامل الردع الذي انهار فعليا مع هجوم 7 أكتوبر، وهو ما يستدعي اجتياح رفح لضمان إنهاء القدرات العسكرية لحماس بصورة لا يمكنها ولا باقي الفصائل من شن هجوم آخر على إسرائيل أو تهديد مستوطنات غلاف غزة مرة أخرى.
وفي واشنطن، لم تمانع الإدارة الأمريكية مطلقا تنفيذ الاجتياح بقدر ما تعترض على اجتياح موسع يسفر عن حدوث كوارث إنسانية جديدة، وهو ما استدعى مناقشة خطة التنفيذ مع الإسرائيليين مرات عديدة.
ويظل الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي من عملية رفح، ليس فقط إضعاف أو القضاء على حماس وقدراتها العسكرية، بل سيكون احتلال "ممر فيلادلفيا" لإحكام التطويق والسيطرة بشكل كامل على قطاع غزة وتطويقه.
وعلى صعيد الداخل الإسرائيلي، كان التخلي عن عملية اجتياح رفح سيعني بالضرورة انهيار الائتلاف الحكومي الذي يرأسه نتنياهو في ظل تهديدا صريحة من وزير المالية بتسئيل سموتريتش" ووزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" بحل الائتلاف في حال التراجع عن عملية رفح أو في حال تنفيذ صفقة تكون مقرونة بإنهاء الحرب.
وبحسب تقرير المركز فإن إسرائيل رغم عدوانها الغاشم وغير المسبوق وسقوط هذا العدد الهائل من الضحايا والتدمير الممنهج لكل سبل القطاع في غزة، لم ينجح المجتمع الدولي في وقفها نتيجة للغطاء والدعم الأمريكي الذي لا يزال يوفر لها الحماية. كما أن إسرائيل تنظر لعملية رفح وهدف القضاء على حماس في سياق مواجهاتها مع إيران. وتعلم يقينا أن تراجعها عن هدف القضاء على حماس لن يعني سوى إضعاف موقفها الاستراتيجي في الإقليم في مواجهة إيران وأذرعها المسلحة في الإقليم.
وعملت إسرائيل على مدى الشهرين الماضيين في اجتماعات ونقاشات مع الأمريكيين. للتعاطي مع الشواغل الأمريكية حول خطورة العملية، وإعطاء ضمانات لتجنب سقوط ضحايا بجانب تجنب أن ينتج عن هذا الاجتياح أي نزوح جماعي في اتجاه الحدود المصرية حتى لا تتأزم العلاقات المصرية الإسرائيلية خاصة وأن هذه القلاقل المصرية تم التشديد عليها بشكل مباشر مع الإسرائيليين أنفسهم ومع الأمريكيين.
تداعيات العملية علي الداخل الأمريكي
وعلي صعيد التداعيات الدولية المحتملة لعملية رفح ، وبمقدمتها الداخل الأمريكي ، رصد التقرير تطورات تحرك الإدارة الأمريكية ، مشيراً إلى أن واشنطن عملت بقوة على إنجاح الجولة الأخيرة من مفاوضات صفقة تبادل الأسرى وتحقيق وقف لإطلاق النار وأرسلت إدارة بايدن بلينكن ومؤخرا خلال اليومين الماضيين مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرينز الذي زار القاهرة ومتواجد الآن في الدوحة حتى الثلاثاء 6 مايو، في محاولة للوصول لاتفاق تحتاجه بالفعل إدارة بايدن لأسباب داخلية وإقليمية خاصة باستراتيجيتها في الشرق الأوسط.
وتوقع المركز أن عملية رفح ـ حال اتساعها ـ ستكون مقترنة بموقف رسمي أمريكي واضح بتحميل حماس المسئولية الكاملة عن عدم التوصل لاتفاق حول صفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين، وفشل مفاوضات الوساطة الحالية ستحمله إدارة بايدن لحماس وستربطه بهجوم حماس على كرم أبو سالم.
وحال تأثر عملية انفاذ المساعدات عبر معبري رفح وكرم أبو سالم، توقع المركز أن تصعد الإدارة الأمريكية من خطابها وتحركاتها حول نفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى داخل غزة عبر معبر إيريز الإسرائيلي، خاصة وأن الرصيف البحري الذي أنشأه البنتاجون على سواحل غزة قد أعلن عن نقله لميناء أشدود لمخاوف من إمكانية استهدافه.
وعلي المستوي الشعبي داخل الولايات المتحدة ، توقع التقرير اتساع دائرة تظاهرات الطلبة في الجامعات الأمريكية، وستمثل عامل ضغط أكبر على إدارة بايدن، وقد تدفع في لحظة أو مرحلة ما الإدارة الأمريكية بالضغط بقوة على نتنياهو لوقف إطلاق النار والقبول بصفقة لتبادل الأسرى وتحقيق وقف نار مستدام لكن سيتوقف ذلك على شكل العمليات العسكرية الإسرائيلية على الأرض.
تطورات محتملة في الداخل الإسرائيلي
وستمثل عملية اجتياح رفح لنتنياهو وائتلافه الحكومة الفرصة الأخيرة لتحقيق أهداف مجمل الأهداف العسكرية في غزة وعلى رأسها بالتأكيد القضاء تماما على قدرات حماس والوصول لقادتها خاصة السنوار والضيف، وتحرير الأسرى والرهائن.
وبحسب تقرير المركز، روج نتنياهو في كل نقاشاته مع الأمريكيين، أن عملية رفح قد تستغرق أسابيع فقط لكن عمليا على الأرض سيسعى لإطالة أمد هذه العملية لتصل إلى شهور.
ومن المرجح أن تزيد عملية رفح من قوة سموتريتش وبن غفير داخل الائتلاف الحكومي وقد ترفع من أسهمهم الداخلية بجانب نتنياهو في حال تحقيق أهداف نوعية ميدانية في رفح. أما نتنياهو وبيني جانتس فسيعملان على طمأنة أسر الأسرى والرهائن الإسرائيليين، لتخفيف مخاوفهم من تأثير عملية رفح على حياة أبنائهم.
وستتزامن مع عملية رفح، استمرار التظاهرات في الداخل الإسرائيلي من أسر الأسرى والمحتجزين، في مسعى منهم للمطالبة بوقف هذه العملية لحماية حياة ذويهم. فيما ستسعى القوات الإسرائيلية مدعومة بالمعلومات الاستخباراتية من الشاباك والموساد وبتعاون مع الأمريكيين الوصول لأماكن احتجاز الأسرى والمحتجزين، بجانب الوصول لقيادات حماس وبالأخص يحيي السنوار ، وهو ما سيشكل انتصار كبير لنتنياهو يحسن من وضعه السياسي. وقد تنجح إسرائيل بالفعل في تفكيك الـ "4" كتائب التابعة لحماس في رفح، لكنها قواتها على الأرض ستكون في مواجهات على الأرض مع مجموعات ومسلحي الفصائل المختلفة. وسيشرع سلاح المهندسين في الجيش الإسرائيلي في تدمير عدد من الأنفاق.
تداعيات دولية لاجتياح رفح المحتمل
وتوقع المركز أن تكتفي القوى الأوروبية والصين وروسيا والمنظمات الأممية بالتنديد والتحذير من خطورة عملية رفح على إمكانية اتساع رقعة الصراع. وستطرح مرة أخرى في مجلس الأمن مشروعات قرارات للمطالبة بوقف دائم لإطلاق النار يكون ملزما وفقا للفصل السابع، لكن ستعمل واشنطن على تعطيلها، أو التباحث حولها وفقا لنتاج العملية العسكرية على الأرض ووفقا لردود فعل هذه العملية على الداخل الأمريكي.
ومن المرجح أن تكثف القوى الأوروبية من اتصالاتها مع إيران لمنع أي تصعيد، وستكثف فرنسا تحديدا من اتصالاتها وجهودها الجارية بالفعل لخفض التصعيد بين حزب الله وإسرائيل.
وستزيد الأصوات الأوروبية المطالبة بضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، خاصة مع وجود مؤشرات تؤكد أن عدد من الدول الأوروبية بصدد الإعلان عن اعترافها بالدولة الفلسطينية كـ "إسبانيا - النرويج - سلوفينيا - أيرلندا - مالطا - بلجيكا - فرنسا .
تصعيد محتمل لـ أذرع إيران في الشرق الأوسط
وبحسب تقرير المركز المصري للفكر والدراسات ، ستدفع إيران أذرعها في لبنان والعراق واليمن لتصعيد هجماتهم على إسرائيل والمصالح الأمريكية، بهدف تخفيف الضغط على حماس، خاصة وأن الهجمات لم تتوقف خلال الأيام الماضية.
ولن يشكل التصعيد من الأذرع الإيرانية واقعا مختلفا وسيظل محافظا على المستوى القائم، باستثناء الجبهة اللبنانية، فقد يصعد حزب الله من مستوى هجماته على شمال إسرائيل، خاصة وأن القضاء على حماس في غزة وإضعاف مجمل قدراتها قد يزيد من فرص المواجهة والتصعيد على المستوى المتوسط والبعيد بين إسرائيل وحزب الله.