تمر اليوم ذكرى رحيل الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية فى مصر، إذ رحل فى 14 مايو عام 884 م، ويعد بن طولون من الشخصيات المؤثرة فى تاريخ مصر الإسلامية، فقد حكمت مصر بفضله عدة شخصيات طولونية، حفر التاريخ اسمه كمؤسس لأول دولة عربية إسلامية مستقلة فى مصر الإسلامية العربية.
"أريد أن أبنى جامعًا من مال حلال إذا غرقت مصر نجا أو احترقت بقى" كلمة قالها أحمد بن طولون، وكأنه كان يستشعر الآية الكريمة "وأما ما ينفع الناس يمكث فى الأرض" وأراد أن يعمر أرضه الجديدة بحجر زاوية غير قابل للاندثار.
وأنشأ فى وسط المدينة مسجده المعروف باسمه إلى اليوم؛ وهو من أكبر المساجد، وتبلغ سعته 8487 مترا مربعا، ولا يزال شاهدا على ما بلغته الدولة الطولونية من رقى وازدهار فى فنون العمارة، وبحسب المؤرخ تقى الدين المقريزى فى كتابه "كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" هذا الجامع موضعه يعرف بجبل يشكر، قال ابن عبد الظاهر: وهو مكان مشهور بإجابة الدعاء، وقيل أن موسى عليه السلام ناجى ربه عليه بكلمات، وابتدأ فى بناء هذا الجامع الأمير أبو العباس أحمد بن طولون بعد بناء القطائع، فى سنة ثلاث وستين ومائتين، والجامع يقع فى منطقة الصَّلِيْبَة بين مَيْدان الرُّمَيْلَة شمالًا وميدان السيدة زينبَ جنوبًا، وميدان الرُّميْلَة الآن لمن لا يعرفه هو المَيدان الواقع تحت قلعة الجبل، والمعروف بمَيدان القلعة، ذلك الميدان الواقع أمام جامع ومدرسة السلطان حسن.
وقال الأديب الكبير جمال الغيطانى أن هذا المسجد لا تقام فيه الصلاة لأن المصريين يقولون أن السيدة نفيسة دعت بعد الصلاة فيه، حيث يقال أن قادت السيدة نفيسة ثورة الناس ضد ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، وكتبت ورقة، فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التى كتبتها وفيها: «ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخوّلتم ففسقتم، ورُدَّت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفاذة غير مخطئة لا سيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوّعتموها، وأجساد عرّيتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلِّمون، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون»، ويقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته.
ودارت «حول المسجد» إشاعات أن مصدر المال الذى انشئ به غير معروف فجمع الناس فى خطبة جمعة وأقسم لهم أنه انشأه من كنز عثر عليه وتمر الايام يتعرض المسجد الفريد للاهمال مع انهيار الدولة الطولونية حتى تم إعادة ترميمه.
والجامع الطولونى هو الجامع الوحيد فى مصر الذى بَقِى على حاله فلم يتغير؛ خلافًا لما شَهِدَه جامع عمرو بن العاص والجامعِ الأزهر الشريف من تغيير، ويعد كذلك الأثر الوحيد الذى بَقِى من مدينة القطائع، التى تمَّ إحراقها من قبل العباسيين بعد سقوط الدولة الطولونية سنة 292هـ، وعودة مصر ولاية عباسية بعدما شَهِدَتْ استقلالًا ذاتيًا فى العصر الطولوني.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة