تثير القضية الفلسطينية فى الآونة الأخيرة جدلا واسعا وانقساما فى الدول الأوروبية، خاصة بعد أن أكدت كلا من إسبانيا وأيرلندا والنرويج اعترافهم بالدولة الفلسطينية فى 28 مايو، وأكد رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، خلال ظهوره أمام مجلس النواب، أن إسبانيا ستعترف بفلسطين كدولة يوم الثلاثاء المقبل الـ28، فى مجلس الوزراء العادى، بالتزامن مع اعتراف أيرلندا وسلوفينيا ومالطا.
كما انضمت النرويج، وهى دولة لا تنتمى إلى الاتحاد الأوروبى، إلى الإعلان، والتى حث برلمانها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى نوفمبر الماضى.
ما هى الدول التى تعترف بفلسطين؟
وحصلت الدولة الفلسطينية على اعتراف 143 دولة من أصل 193 دولة أكدتها الأمم المتحدة. أو بالأحرى، هناك 142 دولة عضو كاملة العضوية فى الأمم المتحدة، معظم الدول التى تعترف بفلسطين موجودة فى أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا، والعديد منها فى هاتين القارتين الأخيرتين، وهى دول عربية شهدت إنشاء دولة إسرائيل فى منتصف القرن العشرين كهجوم، وفى الواقع، الدولتان الوحيدتان فى أفريقيا اللتان لا تعترفان بفلسطين هما الكاميرون وإريتريا.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة الديباتى الإسبانية على موقعها الإلكترونى، أنه فى الاتحاد الأوروبى، فى الوقت الحالى، هناك تسع دول فقط تعترف بدولة فلسطين: بلغاريا، قبرص، سلوفاكيا، المجر، مالطا، بولندا، جمهورية التشيك ورومانيا، والسويد، التى فعلت ذلك فى عام 2004.
والآن تدعم أسبانيا وإيرلندا والنرويج حكومة محمود عباس، كما أكدت سلوفينيا ومالطا وبلجيكا على "استعدادها" للاعتراف بفلسطين "عندما تتمكن من تقديم مساهمة إيجابية وتكون الظروف مناسبة".
وفى يناير الماضى، طرح رئيس الدبلوماسية المجتمعية الإسبانى جوزيبى بوريل، خارطة طريق من 12 نقطة لإحلال السلام فى هذا الصراع الذى يحظى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كمحور مركزى له، كما أنه فيما يتعلق بالسيناريو الفلسطينى، أبدت الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى تباينا فى المواقف.
أما الحالة الأصعب فهى حالة ألمانيا بسبب علاقتها الخاصة مع إسرائيل، الأمر الذى يجعل الاعتراف بفلسطين أمرًا غير وارد تقريبًا.
وقالت صحيفة لابانجورديا الإسبانية، فى تقرير آخر، أن الديمقراطيين الاشتراكيين تحدثوا لصالح الاعتراف بدولة فلسطين. وذكرت الحملة الفلسطينية فى برلين أن هذه الحقيقة توضح مدى عزلة ألمانيا فى أوروبا، وأن ألمانيا ستواصل تسليح إسرائيل على الرغم من أعمال الإبادة الجماعية التى ترتكبها وتستخدم قوات الشرطة الوحشية لإسكات من يتحدثون علنًا".
انتظار البرتغال
ولن تتبع البرتغال، فى الوقت الحالى، خطوات النرويج وإسبانيا وإيرلندا، التى ستعترف رسميًا بدولة فلسطين فى 28 مايو، وتضمن وزارة الخارجية أن تحافظ البرتغال على موقف الحكومة السابقة كوسيط فى العملية.
وتؤكد الحكومة البرتغالية أنها تجرى محادثات مع الدول التى أحرزت بالفعل تقدما فى الاعتراف، ولكن أيضا مع الدول الأكثر ترددا فى اتخاذ هذه الخطوة، فى ضوء التوافق الواسع الموجود فى الاتحاد الأوروبى بشأن الحزبين.
وكان وزير الخارجية باولو رانجيل قد أكد فى البرلمان على "الأهمية السياسية الهائلة" للتصويت لصالح قبول فلسطين كعضو كامل العضوية فى الأمم المتحدة، كما أنه لم يرفض الاعتراف الرسمى بالدولة الفلسطينية، يبدو أن البرتغال تنتظر وقتها.
فرنسا تبحث عن الوقت المناسب
وردت فرنسا على اعتراف جيرانها إسبانيا وأيرلندا والنرويج، بالدولة الفلسطينية، أنه ليس الوقت المناسب للاعتراف بفلسطين، حيث أن الظروف ليست مهيأة حتى الآن لإحداث تأثير حقيقى على تنفيذ حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل.
لكن ستيفان سيجورنيه، وزير أوروبا والشؤون الخارجية، أصر فى بيان أرسل إلى يورونيوز على أن الاعتراف بفلسطين "ليس موضوعا محظورا"، ولكن مثل هذا القرار يجب أن يكون أكثر من مجرد "موقف رمزى أو سياسى بسيط".
ويأتى هذا البيان مباشرة بعد استقبال سيجورنيه لنظيره الإسرائيلى إسرائيل كاتس فى باريس لإجراء محادثات الأربعاء الماضى، فى الوقت الذى تستمر فيه التوترات بين البلدين بعد أن كانت فرنسا مؤيدة لطلب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال، ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو ووزير دفاعه وثلاثة من قادة حماس بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
رسالة حول التعامل مع أزمة غزة
وووقع أكثر من 200 موظف من مؤسسات ووكالات الاتحاد الأوروبى على رسالة أعربوا فيها عن "القلق المتزايد" بشأن استجابة الاتحاد للأزمة الإنسانية فى غزة، بحجة أنها تتعارض مع قيمه الأساسية وهدفه المتمثل فى تعزيز السلام.
وأشارت صحيفة لاراثون الإسبانية إلى أن الرسالة، التى وقعها 211 شخصًا بصفتهم الشخصية كمواطنين، والموجهة إلى كبار المسؤولين الثلاثة فى الاتحاد الأوروبى، بإدانة هجمات 7 أكتوبر "بأشد العبارات"، واستشهدت الرسالة بحكم محكمة العدل الدولية فى يناير الذى أشار إلى وجود خطر حقيقى على الفلسطينيين بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وحذرت الرسالة من أن "لامبالاة الاتحاد الأوروبى المستمرة تجاه محنة الفلسطينيين" تهدد بتطبيع نظام عالمى يكون فيه مجرد استخدام القوة، ويحدد النظام القائم على القواعد أمن الدولة وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي.
وجاء فى الرسالة: "لتجنب مثل هذا النظام العالمى الكئيب على وجه التحديد، أنشأ أجدادنا، الذين شهود على أهوال الحرب العالمية الثانية، أوروبا"، مضيفة أن البقاء مكتوفى الأيدى فى مواجهة مثل هذا التآكل لسيادة القانون الدولى يعنى فشل المشروع الأوروبى كما تصوروه. لا يمكن أن يحدث هذا باسمنا.
وقال زينو بينيتى، أحد المنظمين، إن الرسالة كتبتها مجموعة صغيرة من الموظفين، مشيرا إلى أنه "لا يمكننا أن نصدق أن قادتنا، الذين تحدثوا كثيرا عن حقوق الإنسان والذين وصفوا أوروبا بأنها منارة حقوق الإنسان، صمتوا فجأة عن الأزمة التى تتكشف فى غزة"، "يبدو الأمر كما لو أنه طُلب منا فجأة أن نغض الطرف عن قيمنا والقيم التى كان من المفترض أن نعمل من أجلها. وبالنسبة لنا لم يكن هذا مقبولا.
ويحث الاتحاد الأوروبى على الدعوة رسميًا إلى وقف فورى ودائم لإطلاق النار، وإضافة ذلك إلى قائمة المطالب التى تشمل الدعوة رسميًا إلى إطلاق سراح جميع الرهائن وضمان قيام الدول الأعضاء بوقف صادرات الأسلحة المباشرة وغير المباشرة إلى إسرائيل.
ومن المتوقع تسليم الرسالة يوم الجمعة إلى أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، وكذلك روبرتا ميتسولا، رئيسة البرلمان الأوروبى، وتشارلز ميشيل، الذى يرأس المجلس الأوروبي.