قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن مئات الآلاف من المدنيين فى الفاشر فى شمال دارفور بالسودان يواجهون وضعا إنسانيا صعبا على نحو متزايد، فيما تظل أجزاء كثيرة من المدينة بدون كهرباء أو ماء.
وأضاف المكتب، أن نسبة متزايدة من السكان لديها وصول محدود للضروريات والخدمات الأساسية، بما فى ذلك الغذاء والرعاية الصحية.
وأوضح التقرير الأممى ورود تقارير مثيرة للقلق العميق تفيد بأن المرافق الطبية ومخيمات النازحين والبنية التحتية المدنية الحيوية قد تأثرت بسبب الأعمال العدائية.
ومن جانبها قدرت المنظمة الدولية للهجرة، أن النزاع أدى إلى نزوح ما يقرب من 58,000 شخص من الفاشر منذ الأول من أبريل، وأن العديد من الأشخاص، بمن فيهم أطفال وكبار السن، غير قادرين أو يُمنعون من الانتقال إلى مناطق أكثر أمانا.
فيما أصدرت 3 وكالات تابعة للأمم المتحدة تحذيرًا صارخًا من أن جميع المؤشرات تشير إلى تدهور كبير فى الوضع الغذائى للأطفال والأمهات فى السودان الذى مزقته الحرب.
وأجرى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وبرنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، تحليلا سلط الضوء على أن الأعمال العدائية المستمرة تؤدى إلى تفاقم أسباب سوء التغذية لدى الأطفال، وتشمل هذه العوامل عدم إمكانية الحصول على الطعام المغذى ومياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحى، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض. ويتفاقم الوضع بسبب النزوح الجماعى للسكان، مع فرار أعداد كبيرة من الناس من الصراع.
وواجه السودان خطرًا متزايدًا للمجاعة الناجمة عن الصراع والتى ستكون لها عواقب كارثية بما فى ذلك فقدان الأرواح، وخاصة بين الأطفال الصغار.
وتؤثر الحرب المستمرة منذ عام بشدة أيضًا على إيصال الإمدادات الإنسانية، مما يترك عددًا لا يحصى من النساء والأطفال دون إمكانية الحصول على الغذاء الحيوى والدعم التغذوي.
وتكافح الوكالات من أجل توصيل المنتجات الغذائية مع تزايد أعمال العنف والإجراءات البيروقراطية التى تعيق الوصول إلى المناطق المتضررة من النزاع.
وقال التحليل، إن سوء التغذية لدى الأطفال فى السودان يصل إلى مستويات الطوارئ. وفى وسط دارفور، تشير التقديرات إلى أن نسبة سوء التغذية الحاد تبلغ 15.6% بين الأطفال دون سن الخامسة، بينما تقترب النسبة فى مخيم زمزم من 30%. وقد تدهور الوضع خلال الأشهر الأخيرة، مع عدم وجود أى علامة على التراجع بسبب استمرار الصراع والإعاقة الشديدة لوصول المساعدات الإنسانية.
ويشكل سوء التغذية الحاد تهديدا للحياة، حيث أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أكثر عرضة للوفاة بما يصل إلى 11 مرة مقارنة بالطفل الذى يتمتع بتغذية جيدة. أن سوء التغذية والمرض يعززان بعضهما البعض، حيث يصاب الأطفال المرضى بسوء التغذية بسهولة أكبر، ويمرض الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بسهولة أكبر، ويعانون من نتائج أسوأ وحتى عندما يتعافى الأطفال، ويمكن أن يكون لسوء التغذية آثار مدى الحياة على النمو البدنى والمعرفي. ويخاطر السودان بضياع جيل، مع ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على مستقبل البلاد.
وأثارت مستويات سوء التغذية القلق بشكل خاص بين الأمهات الحوامل والمرضعات. على سبيل المثال، وجد الفحص الذى أجرته منظمة أطباء بلا حدود الشهر الماضى فى مخيم زمزم، شمال دارفور، أن أكثر من 33% من النساء الحوامل والمرضعات يعانين من سوء التغذية، مما يشير إلى أنه من المحتمل أن يضحين باحتياجاتهن الخاصة لإطعام أطفالهن. ويشكل هذا الوضع خطرًا لا يصدق ليس فقط على صحة الأمهات، ولكن أيضًا على الجيل القادم من أطفال السودان. ويبدأ ما يصل إلى 30% من حالات سوء التغذية لدى الأطفال فى الرحم، لذا فإن الأطفال الذين يولدون لأمهات يعانين من سوء التغذية من المرجح أن يكونوا هم أنفسهم يعانون من سوء التغذية بالفعل.
وقالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف: "يعانى الأطفال فى السودان من أعمال عنف مروعة ونزوح وصدمات، وهم الآن يواجهون مجاعة محتملة". "عندما يعانى الأطفال من أشكال خطيرة من سوء التغذية، فإن ذلك يضر بنموهم البدنى والمعرفى ويمكن أن يخلف أضرارا مدى الحياة. ويجب على أطراف النزاع السماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل حتى يتمكن الأطفال من الحصول على الغذاء والماء والرعاية الطبية والمأوى. ولكن الأهم من ذلك كله هو أن الأطفال يحتاجون إلى السلام.
وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمى، سيندى ماكين، إنَّ النساء والأطفال فى جميع أنحاء السودان يَضمَرون ويهزلون من جراء سوء التغذية، وقد جرّدتهم الحرب الجارية من جميع ما يحتاجونه للبقاء: الأغذية، والدعم الطبى، والمأوى. نحن بحاجة إلى إمكانية وصول آمنة وفورية لتقديم المساعدة الإنسانية التى يحتاجونها أمسّ الحاجة. ومن دون هذه المساعدة، ثمة خطر أن تصبح هذه الأزمة أكبر حالة طوارئ من الجوع فى العالم. أن ملايين الأرواح فى خطر جسيم، ويجب على المجتمع الدولى أن يتصرف الآن وإلا فإننا نخاطر بخسارة جيل كامل من الأطفال.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم، إن سوء التغذية ليس أزمة تحدث لمرة واحدة ثم ينتهى أمرها، إذ يواجه الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية صعوبات فى النماء ووضعًا صحيًا سيئًا مدى الحياة، كما تكون الأرجحية أكبر أن يتوفوا بسبب الأمراض المعدية. وقد بات أطفال السودان ونساؤه يشارفون على المجاعة أن منظمة الصحة العالمية وشركاءها موجودون فى الميدان لمنع سوء التغذية الشديد وعلاجه من أجل إنقاذ هذه الأرواح الغالية، ولكننا بحاجة إلى إمكانية وصول إنسانى مستمرة ودعم مالى كامل لنتمكن من فعل ذلك.
وأقر التقرير بوجود فجوات فى البيانات بسبب صعوبة إمكانية الوصول إلى النقاط الساخنة فى النزاع، ورغم ذلك أعربت الوكالات المذكورة عن خشيتها من أن الوضع حرج بشدة ويواصل تدهوره. وتدلّ فجوات البيانات بحد ذاتها على نقص إمكانية الوصول الإنسانى الحاسمة الأهمية فى المناطق الأشد تأثرًا. ويجب الاستفادة من جميع الخيارات للوصول إلى هؤلاء السكان الأشد حاجة.
ومن المتوقع أن يتفاقم وضع الأطفال والنساء فى السودان خلال الأشهر المقبلة، إذ سيبدأ فى يونيو موسم الأمطار والذى تنقطع فيه المجتمعات المحلية عن بعضها، وتزداد فيه معدلات الإصابة بالأمراض. كما يدخل السودان فى موسم الجدب، وهو الفترة ما بين أوقات الحصاد حيث تقل كميات الغذاء تقليديًا. وهذا أمر مهم بصفة خاصة فى هذه السنة، إذ تفيد التقارير بأن الإنتاج الزراعى فى عام 2023 يقلّ عن مستواه الطبيعى، وذلك بسبب التهجير وانعدام الأمن.
ودعت الوكالات الثلاث إلى توفير إمكانية وصول إنسانى فورية ومن دون إعاقة إلى المجتمعات المحلية التى تعانى من أسوأ تأثيرات هذا النزاع الوحشى والممتد زمنيًا، وذلك عبر جميع نقاط العبور الممكنة والمسارات عبر الحدود مع البلدان المجاورة، إضافة إلى تهدئة الأوضاع فى الفاشر والتوصل إلى وقف لإطلاق النار على المستوى الوطني. ونظل نعتمد على الدعم المتجدد والكبير والمتسع من الجهات المانحة. أن النافذة المتاحة لتفادى الوضع الأسوأ تُقفِل بسرعة.